الموضوع :
خطاب ـ في حفل تكريم المغتربين والمقررات
المكـان :
مبنى مؤسسة البر والإحسان في البرج الشمالي ـ 15/9/1968
المناسبـة :
احتفال تكريم المغتربين تقديراً لخدماتهم في البرج الشمالي صور، بما قدموه من تبرعات أثناء جولة الإمام الصدر لهذه الغاية على المغتربين في بلاد أفريقيا الغربية.
المقدمـة :
اتخذت مقررات مهمة يوم أمس الأحد في حفلة تكريم سماحة الإمام السيد موسى الصدر للمغتربين اللبنانيين في مبنى مؤسسة البر والإحسان قرب مدينة صور وهو المبنى الذي ساهم فيه المغتربون بمبلغ 873 ألفا و864 ليرة لبنانية جمع معظمها السيد الصدر أثناء جولته في أفريقيا خلال العام الماضي. وضمت هذه الحفلة مئات المغتربين الموجودين حاليا في لبنان، كما ضمت مجموعة من علماء الشيعة بينهم: السيد حسين الحسيني، المفتي الجعفري الممتاز، الشيخ سليمان اليحفوفي مفتي الديار البعلبكية، الشيخ خليل ياسين قاضي المحكمة الشرعية في طرابلس، الشيخ محمد تقي الشريف مدير معهد الدراسات الإسلامية في صور، السيد جواد محمد شرف الدين، الشيخ عبد المنعم شراره، الشيخ علي شور، الشيخ عبد المنعم الزين، الشيخ علي الزين، الشيخ أحمد طراد، الشيخ حسين كوراني، السيد عيسى طباطبائي، الشيخ نجيب شمس الدين، وغيرهم. كما حضرها عدد من النواب والشخصيات الرسمية بينهم السادة: علي عرب، وجعفر شرف الدين، وحسين منصور، ومدير عام الضمان الدكتور رضا حيدر، ومدير عام وزارة العمل الدكتور عباس فرحات، والقائم مقام غسان حيدر، ورئيس قسم محافظة الجنوب سامي شعيب، وآمر فصيلة صور الملازم أول فؤاد آغا وغيرهم.
ـ الــنـــص ـ
أيها الأخوة الأكارم
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
وبعد، إن من أسس التعاليم الاسلامية الناظمة لحياة الإنسان، ما نراه في الآيات المباركات في سورة النجم، من القرآن الكريم : {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى . وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى . ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى . وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى} (النجم:39-42). صدق الله العظيم
آياته سبحانه تؤكد أن حياة الإنسان، هي في مستوى سعيه وعطائه كما وكيفا، فمناطها ليس إذن تنفس وأكل وتحرك، حتى ولا إدراك.. وانقطاع هذا كله، ليس معناه الموت.
ظاهرة الموت، إذن انقطاع سعي وعمل، لا انقطاع تنفس وأمل. وظاهرة الحياة تبدو اذن في العطاء، فهو ما دام باقيا، فالإنسان به حي. وهو إن لم يكن، فالإنسان كأنه ما كان.
وسبحانه، وهو يعادل العمل بالحياة، كتب له ضمان البقاء، هنا، وهناك : عندما أكد عدم ضياعه، ونص على جزائه الأوفى الذي ينتظر العاملين عند العود الى رب العالمين، ذلك الجزاء الذي يفوق جزاء الدنيا، كما يفوق فضل الله وكرمه، فضل عباده وكرمهم.
معادلة الحياة بالعطاء، لم ترسمها يده الرحيمة بسورة النجم وحسب، وانما نقرأ المعادلة في كثير من الآيات والتعاليم الدينية. وقويم العقل يؤكدها ولا مراء.
من هنا، سبب تلاقينا في يومنا الأغر هذا، يومنا الذي نرجو أن يصير عيدا، في يوم عليه، في هذا الاجتماع تتفقون.
ونلتقي اليوم بمناسبة مولد الزهراء، مولد العمل والعطاء، مولد من كان شعارها مستمدا من رسول الله : "يا فاطمة، اعملي لنفسك فإني لا أغني عنك من الله شيئاً) ووعت فاطمة أين هو طريق الفضل، انه انتساب الى عمل وسعي، وليس انتسابا الى خاتم النبيين.
ونلتقي أيضا في هذه المؤسسة، وهل هي إلا خلاصة عطاء مشترك، تجاوب فيه شعبنا الكريم، مقيمه ومغتربه، مع حكومته الجليلة، فشهق البنيان بدوره عاليا، ليعطي ما لا يسعه قول: ساعة درس، أو تثقف طالب، أو تعلم عامل، أو تحسين وضع عائلي.
إن لبنة ضياء تأخذ مكانها في جدار هذا المنار، هي، لليد التي وضعتها بقاء واستمرارا: وللرأس الذي تفيأ ظلها أمنا وهدى، واستقرارا.
وظروف لقائنا العصيبة، تؤكد بدورها تفرغ حياتنا من محتواها، وغموض مستقبلنا من أساسه، وتعلق مصير أولادنا بالقلق، إن لم يتحرك كل منا في حقله، وفي إطار كفاءاته الى العمل الإيجابي الواعي، والى العطاء المثمر البناء.
أيها الأعزاء
نلتقي بكم اليوم لنتذوق ثمرة الجهد المشترك، وهي ثمرة شجرة استنبتت في فترة قصيرة، وبحجم محدود، لكنها تؤكد على القيام بالأعمال الكبيرة عندما تريدون، وإنها بالتعاون المخلص ستصبح، دوحة كالمعجزة، بإذن الله.
ولقد أردنا لهذه الغرسة، أن تكون في هذه التربة العزيزة وبجوار الأرض المقدسة، إعلاناً منا، بأن هذا الجهد الرمزي المتواضع، ما كان هنا، إلا لنؤكد بأننا جميعا على استعداد دائم لبذل جميع إمكاناتنا، حتى الأرواح والأولاد، دون تردد ساعة ما نستدعى، او ساعة تستدعي الحاجة.
أيها الأعزاء
الحق إن تذوقكم، مسؤولين وشعباً، ثمرة عطائكم، ومشاهدتكم طاقاتكم تتجسد.. هما خير شكر لكم وافضل تقدير لإنسانية عملكم، ونبل مسعاكم، لكن احب هنا أن أسجل شكراً خاصا، ودعاء خالصا مخلصا لإخواني في ديار الاغتراب، الذين كانت حفلتنا هذه تكريما لهم. ذلك لأني في رحلتي الأخيرة الى أفريقيا الغربية شاهدت بعيني معاني هجرتهم. إن هؤلاء الأبطال يضعون حياتهم على أكفهم، ضاربين في الأرض، مخاطرين.. زاهدين بكل متع الحياة، وبجميع نعم الوطن، كاسبين الدرهم المغسول بليل السهر، وقطرة الدم، ثم يأتي بذلهم السخي، وكأنهم يأخذون الذي يعطون، يدهم تتحرك بالعطاء، وعواطفهم تتأجج بالحس، وصدورهم تنفتح للضيافة.. أرى كل هذا فاشعر، وأتمنى لو عشت بينهم ما كتب الله لي من بقية.
وان كل من قول لي هنا، تجاه ذلك السخاء، فلا أملك إلا الإشادة بهم، في يوم الزهراء، أم الأئمة المضحين الشهداء، وينابيع الفداء، وإلا أن أطالبهم، وأصر، بالمشاركة في الإشراف على المؤسسة حالا ومستقبلا، تخطيطا، وإدارة، ومحاسبة. وإلا أن أقول لهم أخيرا بان هذا المكان، وما ينبثق عنه، هو كله، لهم، بيتهم، مكتبهم، تدرس فيه قضاياهم، وتستنبط الحلول لمشاكلهم هنا وهناك، وفيه يلتقون بكرام المسؤولين، وبالإخوان المقيمين.
أما المؤسسة فسوف تفتتح أبوابها في السنة الدراسية 1969-1970، بإذن الله، بعد أن تصبح إدارتها الخبيرة، ومحتوياتها من معدات وآليات حديثة بمستوى بنيانها الشاهق وطموحكم إلى الأحسن. معتمدة على الله القدير الذي يرعى أعمال المخلصين من عباده ويدافع عنهم ويسدد خطاهم ويجند لهم الطاقات الخيرة و الضمائر الواعية.
وبالمناسبة أذكر لكم أنا تلقينا وعدا كريما، بتجسيد أمانينا كلها عن المؤسسة، من الحكومة الفرنسية المحترمة. وواجب الوفاء يقتضي الإشادة برعاية فخامة الرئيس الحلو.
وبالمبادرة النادرة الأولى، التي بذلها بكل إخلاص فخامة الرئيس شهاب.
وبمساهمات وزارة التربية الجليلة ومصلحة الإنعاش الاجتماعي.
أما سيدنا الإمام شرف الدين قدّس سره، المصمم الأول في هذا الخط النيرّ، وسماحة المرجع الأعلى السيد الحكيم دام ظله، وأعضاء جمعية البرّ والإحسان، وأعضاء لجنة إدارة المؤسسة، أما هؤلاء جميعا فان المؤسسة ليست إلا ثمرة جهودهم، وتحقيق آمالهم. استودعكم الله بعد الترحيب. وبين أيديكم خلاصة الموازنة في هذه الأوراق. وفيما حولكم مؤسستكم تشمخ..