إنها حكاية طفلٍ من أطفال الجنوب
جنوب التضحية والإخلاص والوفاء
الجنوب... ومن لا يعرف الجنوب
أرض الأبطال والفرسان والشهداء
أحرار العالم كلهم يعرفون الجنوب...
وحتى الملائكة في السماء
هناك... على أبواب الجنة
إسم الجنوب قد كتب بالدماء
هناك... في جنة الرحمان
حيث أطفال الجنوب... أطفال لبنان
يرتعون ويلعبون ويرددون باطمئنان
أناشيد النصر والحرية والإباء
-----------------------------------
كان في إحدى قرى الجنوب
طفل صغير إسمه... ناصر
كان ناصر في عمر الورود
لا يعرف قلبه الصغير الطاهر
غير الحب والوفاء... وبلا حدود
كان ناصر ينام في أحضان أمه
قرير العين مطمأن البال
يحلم كما تحلم الأطفال
بالحب والحنان... بالدفء والأمان
وفجأة ... أرعدت وأمطرت السماء
ولكن ليس غيثاً وماء
بل صواريخ وقنابل... نيرانٌ وبلاء
وفي أقل من لمحة في الأبصار
تحوّل كل شيء إلى حطامٍ ودمار
وتناثرت الأشلاء على الأحجار...
تحت الركام ... وفي الفضاء
وانتفض ناصر من بين الأنقاض
يصرخ ويستغيث...
أماه... أين أنت يا أماه؟
ونظر ناصر من حوله ليجد أمه
قد تناثرت أوصالها أجزاء.. وأجزاء
وتفاجأ ناصر بذراعي أمه
المقطوعتان لا زالتا تمسكان به
وهما ترتجفان وتقطران بالدماء
أدرك ناصر حينذاك...
أن أمه إنما شاءت...
أن تحميه بجسدها... وروحها
وأن تقيه الموت والفناء
أجل... لقد حققت أم ناصر ما تمنت
فَحَمَت ولدها بجسدها الطاهر
وقَدَّمت نفسها من أجله قرباناً وفداء
واستشهدت أم ناصر...
فكانت رمزاً للتضحية والفداء
صرخ ناصر ... بكى وصاح...
حتى فتت صراخه كبد الفضاء
وبكت لبكائه الملائكة...
وحزنت لحزنه الأرض والسماء
-----------------------------------
ومرت السنين... وكبر ناصر
أصبح ناصر رجلاً...
وصورة أمه ما زالت محفورة في ذاكرته
حب أمه كان ينمو ويكبر في جوارحه
مشاهد المجازر والقتل والدمار كانت لا تنمحي من مخيلته
أصوات القنابل والمدافع لا زالت تدوي في مسامعه
قرر ناصر أن يلقن الأعداء درساً في العزة والإباء
أن يثأر لأمِّه ولكل الأمهات... للأطفال... للأبرياء
للذين استشهدوا في قانا... وفي جميع قرانا... وفوق تراب لبنان
أن ينتقم للحق والعدل... ولضمير الإنسان
حمل ناصر سلاحه وانطلق ورفاقه إلى ساحة الميدان
قاتل ناصر... جاهد وصمد... وكان ثابت الجأش والجنان
أبلى ورفاقه بلاءً حسناً... وكان من خيرة الأبطال والشجعان
وانطلقت صواريخ الغدر تدوي وتهوي فوق التلال وفي الوديان
أُصيب ناصر... وسقط إلى الأرض...
قَبَّل التراب... شكر الله... تَشَهّد وصلى
نظر ناصر إلى السماء...
فتراءت له صورة أمه...
خاطبها ناصر وفرحة الشهادة تسري في دمه:
أمي... حبيبتي...
كم أنا مشتاقٌ إليك يا أمي... فضميني إلى صدرك
كم أنا بحاجة إلى حنانك... فاغمريني بعطفك
ها أنا قادم إليك يا أماه فقد حان موعد اللقاء
ها أنا قادم إليك لكي أقبل يديك وقدميك
لكي أغفو على صدرك وأستريح بين يديك
آهٍ يا أماه ما أروع الشهادة والفداء
آهٍ يا أماه ما أجمل لقاء الله والأنبياء... والأحبة... والشهداء
وقَبْل أن تصعد روحه الطاهرة إلى باريها
كتب ناصر بدمه على صخرة كانت بجواره:
أيها الصهاينة الأنذال الجبناء
ستصيرون حتماً إلى الزوال والفناء
وسَتُحرقون بلهيب جهنم... يا أيها الطغاة الأغبياء
نحن قومٌ نفدي أرضنا بأرواحنا
ولا نرضى بالعيش عيش الأذلاء
نحن أبناء امل... نحن أبناء الجنوب الشرفاء
نحن أبناء الصدر... نحن الأباة الأعزاء
نحن جند النبيه... وخطنا حسيني الولاء
أعراس نصرنا لن تقام فقط على الأرض