الموضوع : محاضرة ـ الطائفية والفئوية
المكـان : بيروت ندوة الاثنين ـ 5/12/1969
المناسبـة : ضمن سلسلة محاضرات بمناسبة الاستقلال
المقدمـة : ألقى سماحة الإمام موسى الصدر رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى محاضرة بدعوة من "ندوة الاثنين" حول الطائفية والفئوية والقلق على مستقبل لبنان.
وقد وصفت المحاضرة بأنها أجرأ ما قيل من قبل رجل دين كبير يتمتع بكل مزايا الإنسان النبيل والوطني والمفكر.
ـ الــنـــص ـ
ونأخذ من المحاضرة قول سماحته:
"إن تعدد الطوائف إذا كان يشكل عازلاً أو ضعفاً، فلا شك أن تعدد الطوائف يشكل خطراً على الوطن.
أما إذا كان تعدد الطوائف يؤدي في النهاية إلى تبادل المعارف والتجارب والحضارات، فانه يشكل قوة لهذا الوطن.
إذن، فالخطر ليس في تعدد الطوائف بل في تحول تعدد الطوائف إلى السلبية.
والطائفية ليست مبدأ مشكوراً في الأديان، لأن الأديان لا تدعوا إلى السلبية. والطائفية عندنا هي عقدة العقد لأنها تشكل السلبية في هذا البلد.
وهكذا تحول الوطن إلى أحزاب، وكل حزب يتعصب إلى أفكاره، فالتعصب يعطي السلبية والشك، ولا فرق عندئذ بين الطوائف والأحزاب التي عندها نفس الروح.
لماذا تحول الشعور بالسباق إلى الشعور بالصراع ؟
علينا خلق التنافس والسباق، لا خلق الصراع الذي يكون الشعور بالتضارب والكره.
وهذا ما نسميه الفئوية. لأنها تجلت الآن بالصراع الطبقي وظهرت قبلا صراعاً حزبياً، وقبلاً صراعاً طائفياً.
والدولة يجب أن تكون دولة سماوية لا دولة دينية.
فإذا كانت الدولة تمثل مصالح الأقلية فهذا ظلم فاضح للأكثرية.
وإذا كانت الدولة تمثل الأكثرية فما هي مصائر الأقلية ؟
الدولة يجب أن لا تمثل مصالح الأكثرية أو الأقلية، بل يجب أن تترفع، أي أن تقترب إلى السماء، أي أن تكون بعيدة عن الحزب والطائفية والفئة.
نحن في لبنان أصبحنا منذ عشرات السنين نعيش في وطن، كلنا أو بعضنا لا يشعر بالمواطنية الصادقة.
نحن في جميع شؤوننا أكثرنا فئويين. نريد من النائب أن يؤمن مصالحنا الخاصة، وكذلك نطلب من الوزير والرئيس والزعيم.
أنا لا أنكر وجود ظالم ومظلوم، ولكن لا نريد أن نحول المظلوم إلى ظالم، والظالم إلى مظلوم.
من منا تكلم عن غير مصالحه ؟
أي نائب عن جبل لبنان قال أن مناطق الجنوب أو عكار أو الهرمل محرومة ؟
أي رجل دين مسيحي قال أن المسلمين محرومون ؟
أي رجل دين مسلم قال أن الأرمن محرومون ؟
إذا كنا لا نشعر بالمواطنية الصادقة، فالوطن غريب عنا ونحن غرباء في وطننا.
يجب أن نرفع صوتنا منادين بإنصاف المناطق المحرومة. وعندئذٍ نصل إلى المواطنية.
هذا هو الخطر الذي يفتح الباب على مصراعيه للاستعمار ولإسرائيل وحتى لمن هو اضعف من إسرائيل.
هذه العقلية التي تأخذ من الدين مركباً تمتطيه من اجل مصالحها.
علينا أن نتطور عقلياً. وتطورنا العقلي دولة وشعباً، هو الحس بالروح الوطنية. وعلينا أن نمارس هذا. فالتفكير إذا لم يقترن بالممارسة يتحول إلى نقص، إلى تخدر، يجب أن نشعر بثقل المسؤولية.
إذا أردتم أم لم تريدوا، فلبنان محتضر إذا بقيت عقليتنا على ما هي عليه.
نحن بانتظار الأغنياء لكي يفكروا بالفقراء. وبانتظار الجمعيات التي عندها وفرة من المال لأن تنظر إلى الفقراء، وبانتظار الشباب لكي يذهبوا إلى المناطق المحرومة والى الحدود ليعملوا هناك.
إذا كنا نريد أن نحافظ على لبنان بعقليتنا التي نحن عليها: ما في لبنان.
واني لأحذر منذ الآن من النهاية.
فنحن لسنا قلقين على لبنان فحسب بل خمسين قلقين عليه".