الموضوع : حوار ـ الطائفية في لبنان سياسة وليست ديناً
المكـان : بيروت ـ 10/6/1970
المناسبـة : تفشي ظاهرة الانفلات في لبنان
المقدمـة : "إن هناك قضية مستعصية اتفق على ضرورة معالجتها جميع اللبنانيين من دون إستثناء وأعطوا أصواتهم فيها في أروع استفتاء عفوي. أنها قضية الأخلاق في لبنان".
بهذه الكلمات خاطب سماحة السيد موسى الصدر فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية يوم زاره مهنئاً بعيد المولد النبوي الشريف، وبعدما رأي أن أمواج الفساد والميوعة تحول الوضع الإجتماعي إلى طوفان مجنون.. رآها تتجاوز كلّ سد، فشملت كلّ شيء حتى وسائل الإعلام.
وقد أخذ فخامة الرئيس المبادرة وشكل لجنة مختصة مهمتها تأمين حماية الناشئة والحفاظ على الأخلاق.. ولقد برز نشاطها جلياً هذا الأسبوع بالذات في مراقبتها للأفلام والكتب والنشرات، وحتى أماكن اللهو.. فعمّ الارتياح جميع الأوساط الدينية والشعبية.
وصوت الخليج تستضيف اليوم سماحة الإمام الصدر ليعطي رأيه بصراحة حول مشكلة الأخلاق؟
بعد أن أجاب على السؤال سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد وسماحة شيخ العقل لدي الطائفة الدرزية الشيخ محمد أبو شقرا.
ـ الــنـــص ـ
السؤال: لبنان يعيش في عصر الانفلات من كلّ القيود الأخلاقية، والاجتماعية؛ إلى أين تؤدي هذه النزعة عند الإنسان اللبناني، من هو المسؤول؟ وكيف نتمكن من علاجها، وبالتالي تلافيها؟
قال سماحة الإمام: لبنان يعيش عصر الانفلات هذا هو التعبير الصحيح عن المشكلة؟ عصر الانفلات هو عصرنا الحاضر ولبنان مثل البلدان الأخرى مع شيء من التفاوت يعيش هذا العصر.
إن الانفلات، ظاهرة هذا العصر وثمرة هذه الحضارة، ليس مختصاً ببلد دون بلد ولا يعد مفاجأة إطلاقاً.
إن تأثر البلاد بهذا الانفلات يختلف حسب قربها من المصدر وبعدها عنه، والحريات وعدمها، والأنظمة المسؤولة وغيرها، ومستوى المعيشة، وأمثال ذلك، تقرب المشكلة وتبعدها، أما المشكلة الأساسية فهي كلمة: انها عصر الانفلات كما عبرت عنها في سؤالك.
وفي الأساس، إذا أردنا أن ندرس المشكلة بتعمق، بدأت الحضارة الغربية في أعقاب أيام اسكولاستيك، وبعد انتهاء القرون الوسطى، بدأت على أساس عدم الاعتراف بتأثير ما وراء الطبيعة في الحياة الإنسانية، ووضعت أسس الحضارة مع التنكر لله لا مع إنكاره، ومع عزله عن التأثير بعد الاعتراف بوجوده وبالمصطلح القرآني قال: "يد الله مغلولة".
فبدأت الحضارة تنمو دون أن تكون لها قاعدة وإطار أخلاقي معنوي وهذه الصفة جعلت الحضارة تتغذى من التنافس الحر ومن الطموح البشري، جعلتها تتحرك دون لجام كالفرس الشارد.
ويضيف سماحته قائلاً: ولذلك بدأت دواليب الحضارة تتحرك في كلّ جهة بصورة مرعبة، وبتعبير أدق بصورة غير منسجمة مع مختلف الجوانب الوجودية للإنسان.
فالمال كان هدفاً للإنسان، ولكنه في إطار الحضارة المادية بدأ يطغى فوُجِدَت الرأسمالية ووجدت الرغبة في تحصيله بأي سبب وبأي صورة وبأي حد دون قيد أو شرط.
فجاء الاستثمار والاحتكار والطغيان والاستعمار وكسب الأسواق والحروب وغيرها.
وحب الذات كان يحرك الإنسان دائماً ولكنه في ظلال الحضارة تحول إلى الأنانيات الضيقة والواسعة فجاءت محنة التمييز العنصري واحتقار الشعوب والنازية والكراهيات والصراع بين الطبقات والفئات وجاءت الانفجارات الاجتماعية والثورات وما نتجت عنه.
وهكذا مختلف الشؤون الإنسانية انحرفت في خضم الحضارة المادية. وأوجدت الصعوبات والمحن والويلات للإنسان.
ويستطرد سماحته: والجنس.. الجنس الذي كان في حدوده مقدساً في الإسلام ونعمة من الله وسبباً للإنجاب والسكن والراحة في حياة الإنسان في منطق القرآن.. وهذا الجنس قد بالغت الحضارة المادية فيه واستعملت في خدمته جميع وسائل الإعلام والتجارب والأسباب السمعية والبصرية، واستغلته التجارة من خلال الأزياء والإعلانات والأفلام ووسائل الاجتذاب للبيع والنشر وغيره، حتى اصبح ينمو باستمرار على حساب كفاءات الإنسان الأخرى ومشاعره.
إن وضع الانفلات في عصرنا مرحلة من مراحل النمو الحضاري المادي، وستزداد المشكلة عنفاً ومحنة، فالأساس المنحرف لا يبنى عليه إلاّ الانحراف، والمستقبل لن يكون إلاّ الميوعة والتخنث وفقدان الإرادة والقوة وانهيار كافة الطاقات البشرية في حفر الجنس الملتهب.
والمسؤول لا يمكن حصره على الصعيد اللبناني، بل المسؤولية عالمية، ولكن الأجيال الأخيرة في لبنان قد ساهمت بانحرافها واجتذابها للحضارة المادية هذه المشكلة..
فالآباء والأمهات عندما يتخلون عن اتزانهم واعتدالهم ويصلون إلى ما وصلت إليه الأجيال السابقة عند ذلك لا بد للجيل الصاعد أن يستمر في الطريق المرسوم.
ويضيف سماحته: أمّا العلاج في لبنان، وفي كلّ بلد يقصد العلاج، فإنه يكون نتيجة دراسة وتخطيط ودقة. وقد عرضت على المسؤولين في لبنان مقترحات تشكل الخطوط العريضة للعلاج وهي:
أولاً: توضع مشاريع مدروسة للتربية الدينية في المدارس وللتدريب الإجباري العام ولتنشيط الحركة الرياضية والكشفية ولإيجاد بديل عن الفساد الإعلامي بوضع أفلام وقصص ومسرحيات ووسائل تسلية مهذبة واخيراً لإيجاد عمل تطوعي لجميع المواطنين بما لا يقل عن يوم في أسبوع.
ثانياً: تخصيص أسبوع للأخلاق، تبدأ الحملة برعاية رئيس الدولة وبالتعاون مع جميع العناصر المسؤولة تباشر بتنفيذ المشاريع التي ذكرناها في البند الأول وتضاف إليها محاضرات وأحاديث في الصحف والإذاعة والتلفزيون والمساجد والكنائس والنوادي والأندية.
ثالثاً: وخلال ذلك تتخذ تدابير زجرية بالنسبة للمنحرفين في حدود معقولة.
رابعاً: يتشكل مجلس وطني لمتابعة مطلب الأسبوع المذكور باسم مجلس الأخلاق لمراقبة التدابير واتخاذها يجب أن يكون فيما بعد.. هذه التدابير تخلق في لبنان جواً خاصاً وتياراً معاكساً للتيار العالمي يصون لبنان من الانهيار الخلقي الدائم.
المجتمع المحارب يجب أن يكون مجتمع حرب لا مجتمع تراخي وترف.