نقلت صحيفة "السفير" عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري غضبه من تأخر الحكومة في إتمام واجباتها حيال قانون النفط من دون أسباب مقنعة، في موازاة الاستعجال الإسرائيلي، وخشيته من أن "يكرر اللبنانيون ما اشتهر به العرب في تاريخ صراعهم مع إسرائيل: هم يتكلمون وهي تفعل".
واتهم بري الجانب الاسرائيلي بأنه يحاول افتعال "مزارع نفطية" شبيهة بقضية مزارع شبعا، وذلك بهدف "تبرير الإبقاء على سلاح المقاومة".
وإستغرب بري، وفقاً لـ"السفير"، التلميح الى أن "هناك حسابات طائفية تتحكم بمسار ملف التنقيب عن النفط، نظرا لأن المواجهة تتخذ بعداً إسرائيلياً- لبنانياً"، متسائلاً باستهجان عما إذا "كان الغاز والبترول الذي قد يتم استخراجه من قعر المياه سيحمل هوية شيعية او بطاقة حزبية من حركة أمل او حزب الله، لمجرد انه موجود في البحر قبالة الجنوب".
واستطرد بري "للعلم، فإن الدراسات أظهرت أن هناك مواد نفطية أيضاً مقابل كسروان والبترون وطرابلس وغيرها، ولكن الفارق انه موجود بكميات تجارية قبالة الجنوب، وهذه الكميات ستسهم في التخلص من عبء الدين العام، الذي لا يميز بين لبناني وآخر، وبالتالي فإن مردود الثروة النفطية سيطال جميع الناس، من كل الطوائف والمذاهب".
وللدلالة أكثر على انتفاء أي بُعد طائفي او مذهبي لهذا الملف وما يرافقه من أخذ ورد، لفت بري الانتباه الى ان "انتقاداته للوتيرة البطيئة التي يتسم بها عمل مجلس الوزراء، لا تعني أنه يتهم رئيس الحكومة سعد الحريري بأن لديه دوافع سياسية خبيثة تجعله يؤخر إقرار مشروع التنقيب عن النفط، "وأنا ليس لدي أي شك في نواياه"، موحيا في المقابل بأنه "يخشى من ان تكون هناك جهات أخرى ربما تعمدت تضييع الوقت خلال السنتين الماضيتين لأنها تخاف، في حساباتها، أن يتحول اكتشاف النفط الى ذريعة إضافية للحفاظ على سلاح المقاومة".
وبمعزل عن ذلك، رأى بري انه "ينبغي عدم تضييع بوصلة الصراع وتحويره في اتجاهات خاطئة"، مشدداً على ان "الأنظار كلها يجب ان تكون موجهة نحو العدو الإسرائيلي الذي يستغل الوتيرة البطيئة في جهدنا من أجل فرض أمر واقع علينا"، ومنبهاً إلى أن "إسرائيل باشرت في اتخاذ خطوات وإجراءات عملية للتنقيب عن النفط واستخراجه، فيما نحن ما نزال نختلف حول من هي الجهة المعنية بوضع مشروع التنقيب: مجلس النواب ام الحكومة؟!".
وحرص رئيس المجلس على التأكيد في هذا المجال ان "كل ما أراده من خلال اقتراح النائب علي حسن خليل هو الإسراع في العمل لتعويض التأخير الحكومي الحاصل"، مشيراً الى ان "الحكومة احتاجت على سبيل المثال الى قرابة خمسة أشهر من أجل ترجمة نص الدراسة النروجية الى اللغة العربية".
ولاحظ بري انه "ما إن قدم خليل اقتراحه حتى احتدم النقاش وتصدر موضوع النفط الاهتمامات، وبذلك يكون هدفي الأساس من المبادرة النيابية قد تحقق، وهو إيجاد قوة دفع لقانون النفط وحث الحكومة على الاستعجال في مهمتها".
وأكد بري "عدم وجود تضارب بين مهام مجلسي النواب والوزراء، ومتى انتهت الحكومة من وضع مشروعها يمكن دمجه مع اقتراح خليل، وإذا ظهر خلال النقاش ان هناك نقاط تباين او تناقض تعمل اللجان المشتركة على معالجتها وصولاً الى إنتاج صيغة واحدة"، لافتاً الانتباه الى ان "جوهر المشروع هو من نتاج الشركة النروجية المختصة وليس من ابتكار الحكومة أو مجلس النواب".
ولأن الثروة النفطية تحتاج الى حماية من القرصنة الاسرائيلية، أبدى بري اهتماماً شديداً بمسـألة الترسيم البحري، في ظل المعطيات الموثقة المتوافرة لديه والتي تؤكد بأن "العدو لا يحترم حدود لبنان البحرية، بل هو يخترقها في مساحات واسعة تضم أجزاء من الثروة النفطية". وفي السياق ذاته، أشار رئيس المجلس النيابي لـ"السفير" الى أن "اللجان النيابية المشتركة ستباشر في درس اقتراح القانون المقدم من النائب علي حسن خليل حول الموارد النفطية في لبنان،، من دون ان يعني ذلك أي تضارب مع عمل الحكومة"، لافتاً الى انه "متى أنجزت الحكومة مشروع القانون حول التنقيب عن النفط نضمه الى الاقتراح، وإذا وُجدت نقاط تباين او تناقض بين الطرحين، فإن اللجان المشتركة تعمل على التوفيق بينها للخروج في نهاية المطاف بصيغة واحدة".
وإذ أوضح بري ان "الاتصالات التي تمت خلال الأيام الماضية أسهمت في تأمين أجواء إيجابية لجلسة اليوم وأنه تبلغ بأن لا نية بمقاطعتها من أحد"، كرر التأكيد انه "في حال جرى تطيير النصاب مرة أخرى، فإنه سيعاود الدعوة الى جلسات أخرى للجان، لأنه من غير المقبول ان نستمر في تضييع الوقت بينما العدو الإسرائيلي باشر في الإجراءات العملانية للتنقيب عن النفط".
وفي معرض تشديده على أهمية صون الحدود البحرية، روى رئيس المجلس النيابي واقعة كان شاهداً عليها وشريكاً فيها خلال وضع تفاهم نيسان 1996، ولفت بري الى أنه في أثناء اجتماع عقد في دمشق بحضور رئيس الوزراء الأسبق الشهيد رفيق الحريري والموفد الأميركي دنيس روس، طرحت ضرورة أن تفك إسرائيل الحصار البحري قبل وقف إطلاق النار، ويومها كان العدو قد ارتكب مجرزة قانا، فشعرت بأن ما كنا نخشاه قد وقع وبالتالي لم يعد يوجد ما نخافه، وبات علينا أن نستفيد من الضغط الدولي على إسرائيل بفعل المجزرة من أجل تحسين شروط وقف النار".
وتابع: "أجابني روس بأنه لا يستطيع الرد على هذا الطلب من تلقاء نفسه وأنه يحتاج الى التشاور مع الحكومة الإسرائيلية، فأجبته: هذا هو رأيي ولكن القرار النهائي يعود الى السلطة التنفيذية وليس السلطة التشريعية التي أترأسها. استأذنت بالخروج وبقي الحريري الذي قال لروس: يجب أن تعرف شيئاً وهو أن أي اتفاق لا يمكن ان يتم من دون موافقة نبيه بري. وبحسب رئيس المجلس، غادر روس إلى تل أبيب وعاد الى دمشق حيث عُقد اجتماع سري رباعي حضره وزير الخارجية الأميركية وارن كريستوفر ومساعده روس و بري والحريري. خلال هذا اللقاء أبلغ كريستوفر الجانب اللبناني بأن إسرائيل وافقت على رفع الحصار البحري، ولكنها تريد عدم الكشف عن ذلك علناً. نظر الحريري الى بري وقال له: ما رأيك؟ أجابه رئيس المجلس: نحن نريد أن نأكل العنب".
وخلص بري في ختام سرده للواقعة إلى تأكيد أهمية "الصراع البحري" مع إسرائيل، سواء ما يتصل منه بالحدود فوق المياه او بالمخزون تحت المياه.