بسم الله الرحمن الرحيم
..... قال رسول الله صلى الله عليه وآله : معاشر عباد الله عليكم بخدمة من أكرمه الله بالارتضاء ، واجتباه
بالاصطفاء ، وجعله أفضل أهل الارض والسماء بعد محمد سيد الانبياء علي بن أبي طالب عليه السلام وبموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه وقضاء حقوق إخوانكم الذين هم في
موالاته ومعاداة أعدائه شركاؤكم . .......
أما أن من شيعة علي لمن يأتي يوم القيامة وقد وضع له في كفة سيئاته من الآثام ما هو أعظم من الجبال الرواسي والبحار التيارة(5)
تقول الخلائق : هلك هذا العبد ، فلا يشكون أنه من الهالكين
، وفي عذاب الله من الخالدين .
فيأتيه النداء من قبل الله عزوجل :
يا أيها العبد الخاطئ(الجاني)هذه الذنوب الموبقات ، فهل بازائها حسنات تكافئها ، فتدخل جنة الله برحمة الله ؟
أو تزيد عليها فتدخلها بوعدالله ؟ يقول العبد : لا أدري .
________________________________________
(5)" السيارة " أ ، والبحار : 8 . يقال : قطع عرقا تيارا أى سريع الجرية .(لسان العرب : 4 / 97)(*)
فيقول منادى ربنا عزوجل : فان ربي يقول : ناد في عرصات القيامة :
ألا إني فلان بن فلان ، من أهل بلد كذا(وكذا)، قد رهنت بسيئات كأمثال الجبال والبحار ولا حسنات لي بازائها ، فأي أهل هذا المحشر كان لي عنده يد أو عارفة
فليغثني بمجازاتي عنها ، فهذا أو ان شدة حاجتي إليها .
فينادي الرجل بذلك ، فأول من يجيبه علي بن أبي طالب عليه السلام لبيك لبيك(لبيك)
أيها الممتحن في محبتي ، المظلوم بعداوتي .
ثم يأتي هو ومعه عدد كثير وجم غفير ، وإن كانوا أقل عددا من خصمائه الذين لهم قبله الظلامات .
فيقول ذلك العدد : يا أمير المؤمنين نحن إخوانه المؤمنون ، كان بنا بارا ، ولنا مكرما وفي معاشرته إيانا مع كثرة إحسانه إلينا متواضعا
، وقد نزلنا له عن جميع طاعاتنا وبذلناها له .
فيقول علي عليه السلام : فبماذا تدخلون جنة ربكم ؟ فيقولون : برحمته الواسعة التي لا يعدمها من والاك ، ووالى آلك
يا أخا رسول الله صلى الله عليه وآله .
فيأتي النداء من قبل الله عزوجل : يا أخا رسول الله هؤلاء اخوانه المؤمنون قد بذلوا له
، فانت ماذا تبذل له ؟ فاني أنا الحاكم(1)، ما بيني وبينه من الذنوب قد غفرتها له بموالاته إياك ،
وما بينه وبين عبادي(2)من الظلامات ، فلابد من فصل الحكم بينه وبينهم .
فيقول على عليه السلام : يا رب أفعل ما تأمرني .
فيقول الله عز وجل : ( ياعلي ) اضمن لخصمائه تعويضهم عن ظلاماتهم قبله .
فيضمن لهم علي عليه السلام ذلك ، ويقول لهم : اقترحوا علي ما شئتم أعطكموه عوضا عن ظلاماتكم قبله .
فيقولون : يا أخا رسول الله تجعل لنا بازاء ظلاماتنا قبله ثواب نفس من أنفاسك ليلة بيتوتتك على فراش محمد رسول الله صلى الله عليه وآله .
فيقول علي عليه السلام : قد وهبت ذلك لكم .
فيقول الله عزوجل : فانظروا يا عبادي الآن إلى ما نلتموه من علي(بن أبي طالب عليه السلام)
فداء لصاحبه من ظلاماتكم . ويظهر لهم ثواب نفس واحد في الجنان من عجائب قصورها وخيراتها
، فيكون من ذلك ما يرضي الله عزوجل به خصماء أولئك المؤمنين .
ثم يريهم بعد ذلك من الدرجات والمنازل مالا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على بال(1)بشر .
فيقولون : يا ربنا هل بقي من جناتك شئ ؟ إذا كان هذا كله لنا ، فأين يحل سائر عبادك المؤمنين والانبياء والصديقين والشهداء
والصالحين ؟ ويخيل إليهم عند ذلك أن الجنة
بأسرها قد جعلت لهم .
فيأتي النداء من قبل الله عزوجل : يا عبادي هذا ثواب نفس من أنفاس علي (ابن أبي طالب)
الذي قد اقترحتموه عليه ، قد جعله لكم ، فخذوه وانظروا ، فيصيرون هم وهذا المؤمن الذي عوضهم علي عليه السلام عنه إلى تلك الجنان ، ثم يرون ما يضيفه
الله عزوجل إلى ممالك علي عليه السلام في الجنان ما هو أضعاف ما بذله عن وليه الموالي له ، مما شاء الله عزوجل من الاضعاف التي لا يعرفها غيره .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " أذلك خير نزلا ؟
أم شجرة الزقوم "(2)المعدة لمخالفي أخي ووصيي علي بن أبي طالب عليه السلام .(3)
________________________________________
(1)" قلب " ب ، س ، ط .
(2)الصافات : 62 .
(3)عنه البحار : 8 / 59 ح 82 وج 68 / 106 ح 20 ، وتأويل الايات : 1 / 90 ح 78 من قوله : معاشر عباد الله ، وحلية الابرار : 1 / 303 الباب 17 ، والبرهان : 1 / 64 ح 1(قطعة).(*)
المصدر : تفسير الإمام الحسن العسكري( صلوات الله عليه )