سعى بعض الاتصالات في اليومين الاخيرين الى تنفيس الاحتقان السياسي في البلاد خطوة اولى على طريق وقف السجالات التي أشعلها الموقف الذي اعلنه الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله الجمعة الماضي اذ اعتبر المحكمة الدولية التي ستحاكم المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري مشروعا اسرائيليا. ومع ان نواب الحزب حرصوا على الرد على ردود الفعل على ما اعتبر تهديدات وجهها السيد نصرالله، فان كثرا لاحظوا سعيا لدى هؤلاء الى التخفيف من انطباعات سادت عن وطأة الخطاب على الاستقرار الداخلي من دون التخلي عن اقتناع بأن الهواجس التي عبر عنها الامين العام حول ما يحتمل ان يؤول اليه القرار الاتهامي للمحكمة الدولية صائبة. ولاحظ بعض القريبين من الحزب انه ليس بعيدا من خط تهدئة الامور ولو انه يبرر موقفه بانه لا يمكن ان يترك احتمال ان يصل القرار الاتهامي للمحكمة اليه ويبقى ساكتا.
لكن ازاء التلويح بمواقف اخرى يستكمل فيها السيد نصرالله حملته على المحكمة كما تردد، فإن توزع الاهتمام في اتجاهين بصرف النظر عن واقع التهدئة الظاهرية التي يمكن ان تعود لتهيمن على الاجواء نتيجة الاتصالات التي تخطت الحدود اللبنانية في اتجاه سوريا. الاتجاه الاول يتصل بتساؤلات طرحت في ضوء تقويم الخطاب الذي ادلى به السيد نصرالله والذي اعتبر كلاما خطيرا جدا وينطوي على احتمالات خطيرة جدا بدورها. وهذه التساؤلات تتصل بكيفية تمظهر ما يعتبره كثر تهديدات حملها كلامه ومتى؟ وخصوصاً ان كلامه ارفق بكلام لا يقل خطورة لرئيس "التيار الوطني الحر" العماد ميشال عون. وهل ينتقل من مرحلة التهديد اللفظي الى الضغط الفعلي ومتى؟ وفي حال لم ينجح ذلك الى اين سيصل وكيف؟ اذ ان كلامه موجه اساسا الى الداخل اي الى رئيس الحكومة سعد الحريري ومن خلاله الى الخارج اي الى المحكمة الدولية وربما الى بعض الدول الراعية لها كفرنسا مثلا بحيث ان البعض لم يسقط احتمال ارتباط الحوادث الاخيرة مع القوة الفرنسية العاملة في الجنوب بالموقف الفرنسي من المحكمة. وثمة مصادر ديبلوماسية باتت تدرك حقيقة ما حصل قبل اسابيع مع "اليونيفيل" وتربطه بحساسية الحزب ازاء المحكمة وفق ما عبر عن ذلك السيد نصرالله في خطابه الاخير. ويستمر القلق الفرنسي في هذا الشأن على رغم ان البعض يسأل اذا كان مسموحاً دوليا ان تتعرض القوة في الجنوب لأذى. وتاليا فان التساؤلات دارت عما اذا كان سيناريو ما يمكن ان تذهب اليه الامور سيكون انقلابا من داخل السلطة اي تفجير الحكومة او انقلابا من خارجها وفق نظرية تعيد مشهد الفوضى في لبنان.
وتقول مصادر عليمة ان الساعات القليلة الماضية تركزت على نتائج ما ستسفر عنه الاتصالات السورية مع الحزب باعتبار أن دمشق معنية مباشرة بأي من الاحتمالات التي يمكن ان يذهب اليها الحزب مع ترجيح اتجاهات تنحو اكثر نحو التهدئة. اذ ان دمشق استقبلت موفدين للحزب توجهوا الى العاصمة السورية بعد عودة الرئيس الحريري الى بيروت من دون استبعاد بقاء الاتصالات قائمة على خط موفدين لرئيس الحكومة الى دمشق ايضاً في الاطار نفسه. وهي لا يمكنها في اي حال ان تعتبر نفسها غير معنية ومن موقعها الجديد بأي من الخيارات التي يمكن ان يعتمدها الحزب وفق ما اوحى الكلام الاخير للسيد نصرالله حول المحكمة على عكس ما كان عليه الوضع في 7 ايار 2008 إذ كان لسوريا دورها في تغطيته وحصد ثماره ايضا. هذا الدور الجديد للعاصمة السورية يختلف عن عام 2008 نظراً الى وجود حكومة لبنانية يحظى رئيسها بعلاقات جديدة جيدة مع القيادة السورية وكان الاستقبال الاخير لنصف وزرائها تعبيرا عن استبعاد امكان نسفها من داخل. وهذا الدور السوري الجديد يحظى بترحيب اوروبي متزايد ويطمح الى انفتاح اميركي ومصري في وقت لا يستطيع ان يسقط او يجهض الانفتاح مع المملكة العربية السعودية لانه في حال سمحت سوريا بذلك هي التي يحملها الغرب المسؤولية عن الحزب فانها تقامر برمي كل ما جهدت لتحقيقه في العامين الاخيرين وخصوصا ان اي فوضى في لبنان ستحمل سوريا المسؤولية عنها أو عن المشاركة فيها في حين ان تهدئتها الاجواء التصعيدية ستكسبها المزيد من حيث اعادة مسؤوليتها عن الاستقرار اللبناني الى الواجهة امام المجتمع الدولي . وهذا على الاقل ما افادت به المعطيات السياسية في الساعات الاخيرة.
لكن تبقى الازمة الحقيقية المتمثلة في الهواجس الحقيقية التي اثارها السيد نصرالله من القرار الاتهامي للمحكمة الدولية بناء على سيناريوات اعلامية غربية او سواها والازمة المتصلة بالضغوط التي بدا ممارستها على الحكومة ورئيسها في هذا الموضوع كما على المحكمة. فهو اثار هذه الازمة من اجل ان يحصل على اجوبة تطمئنه ولن يكون سهلا تقديم الاجوبة له من الجانبين المعنيين مباشرة بما حمله كلامه اي الرئيس الحريري والمحكمة. فهل تكون سوريا من يساعد في تقديم الاجوبة في هذا المجال وهل يحصل ذلك راهنا ام ان الامر ينتظر نضوج مساع واتصالات اقليمية ودولية تكون دمشق محورها؟