تناقلت وسائل الإعلام خبراً مفاده أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أسقط إمام الجمعة في مدينة إربد الأردنية. حدث ذلك عندما راح الإمام يقدح بالمذهب الشيعي لينتقل بعد ذلك للسخرية من السيد حسن نصر الله متسائلاًً: "أتطلبون من زعيم حزب الله أن يحرر لكم فلسطين بعد كل ما قلته عن الشيعة؟". لقد ظن إمام الجمعة أن المصلين سيصفقون له، لكنهم سرعان ما أطلقوا العنان لأصواتهم استنكاراً واحتجاجاً على ما تفوه به الإمام الذي لم يسعفه الوقت لإكمال خطبته، لا بل إن بعضهم راح يشتم إمام مسجد الزهراء بشدة. وانتهت الصلاة ليتجدد الصراخ على الإمام الذي سُمع صوته لاحقاً مستنجداً في مكبر الصوت بعد الخطبة، مما حدا بالشرطة الأردنية للحضور على الفور لتخليص الإمام من غضب المصلين الذين لم يعجبهم هذا الهجوم على السيد حسن نصر الله ولا على مذهبه، فما كان منهم إلا تلقين ذلك الإمام الذي حاول النبش في المزابل درساً لن ينساه أبداً شتماً ولطماً.
صحيح أن ليس كل المصلين يتمتعون بهذا الفهم السياسي والديني الرائع، وبالتالي ربما ينساقون بشكل أعمى وراء بعض الشيوخ والأئمة المتصهينين الذين يعتاشون على التفرقة بين بني المسلمين وتحريض مذهب أو طائفة على أخرى، وينشرون الفتنة التي يزعمون أنها أشد من القتل ثم يمارسونها "عمــّال على بطــّال". يا الله ما أسهل التحريض ضد الآخرين في العالم العربي، خاصة عندما يكونون من أبناء الوطن الواحد، لا لشيء إلا لأنهم ينتمون إلى مذهب أو طائفة أخرى، فما بالك أن ينتموا إلى دين مختلف. على العكس من ذلك نرى البلدان الغربية تسن قوانين صارمة للتصدي للتفرقة الاجتماعية بأنواعها كافة.
فقبل سنوات فقدت الوزيرة البريطانية آن وينترتون منصبها كمتحدثة باسم رئيس حزب المحافظين لشؤون الزراعة بسبب نكتة سخيفة. فقد تهكمت الوزيرة أثناء تناولها الغداء مع مجموعة من الأصدقاء والصحفيين في أحد الأندية الرياضية على الجالية الباكستانية في بريطانيا. وكانت النكتة على الشكل التالي: "هل تعلمون لماذا رمى شخص انجليزي مهاجراً باكستانياً من نافذة القطار وهو مسرع، لأن كل عشرة باكستانيين في بريطانيا يساوون بنساً (فلساً) واحداً ههههههه". لم تكن تدرك سعادة الوزيرة أن تلك النكتة السمجة ستطردها من الحكومة. فبعد ساعات فقط من وصول النكتة إلى وسائل الإعلام كان رئيس حزب المحافظين إيان دنكين سميث وقتها على الهاتف ليخبر الوزيرة بأنها مطرودة من حكومة الظل التي يرأسها. وقد برر سميث قراره السريع والحاسم بأنه يُمنع منعاً باتاً التلاعب بالنسيج العرقي والاجتماعي في بريطانيا. أو بعبارة أخرى فإن الوحدة الوطنية في البلاد خط أحمر لا يجوز لأحد تجاوزه مهما علا شأنه، وأن أي مس به سيعرّض صاحبه لأقسى العقوبات.
وقد سنت الحكومة البريطانية وغيرها من الدول الأوروبية قوانين صارمة جداً لمكافحة العنصرية والطائفية والتحزب العرقي والديني، بحيث غدا النيل من الأعراق والطوائف والإثنيات والديانات في البلاد جريمة يُعاقب مرتكبها عقاباً أليماً. إن الشحن الطائفي والعرقي والإثني والمناطقي والديني ممنوع منعاً باتاً في الغرب، وأن أي محاولة لشق الصف الوطني أو إضعاف التلاحم الاجتماعي جريمة لا تغتفر في الأقاليم الغربية. إن الوحدة الوطنية في أوروبا وأمريكا شيء مقدس والويل كل الويل لمن يحاول التلاعب بها. لكن في الوقت الذي تحافظ فيه الدول الغربية على نسيجها الوطني واللحمة الداخلية وتحميهما من التفكك بضراوة عز نظيرها نجد أن التلاعب بالوحدة الوطنية في العالم العربي أسهل من شرب الماء.
فقد قام الغزو الأمريكي والبريطاني للعراق في المقام الأول على سياسة "فرق تسد" التي كما هو واضح حولت العراق إلى ملل ونحل وطوائف ومافيات متصارعة ومتناحرة بعد أن كان العراق يفخر بأنه لم يعرف التمييز بين عرق وآخر أو طائفة وأخرى على مدى أكثر من ثمانين عاماً.
إن أوطاناً تسكن على هذا الصفيح الساخن الطائفي البغيض وهذا التنوع العرقي الكثير,لا بد لها من انتهاج سبيل قويم غير ذلك الطرح العليل من تأجيج النيران وإثارة النعرات، وإيجاد كافة السبل للم شمل الأوطان وتوحيدها وتعزيز لحمتها لا توتيرها وتجييشها الذي سيذهب بالجميع إلى الجحيم. ومن هنا كانت القوانين المتشددة في الغرب حيال هذا الموضوع الحيوي والهام الذي يجب أن يبقى حصيناً وبعيداً عن متناول العباد، بينما يقاربه بعض مشايخنا السخفاء بخفة عجيبة.
إن الذي حدث في مسجد الزهراء في الأردن يجب أن يكون عبرة لكل من يصطاد في الماء العكر من المتأسلمين الذين يفرح الصهاينة وكل أعداء الإسلام بفتاواهم وأسافينهم التي يدقونها بين أبناء الدين الواحد بمناسبة ومن دون مناسبة. وليت بقية المصلين وكل من يستمع للخطباء أن يقف لهم دائماً بالمرصاد أياً كان مذهبهم أو طائفتهم، فلو قام إمام من مذهب معين بالتحريض على مذهب آخر لوجب على المستمعين إليه أن ينهالوا عليه بما انهال به منتظر الزيدي على الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش في تلك الواقعة التي سيخلدها التاريخ، أو على أقل تقدير كما فعل المصلون في مسجد الزهراء الأردني مع خطيبهم الذي استحق كل شتيمة وبصقة ولطمة من اللطمات التي وجهها إليه الحضور الكريم في تلك الصلاة المباركة. فهؤلاء المحرضون لا يردعهم إلا وعي المصلين وتصديهم الرائع لكل من تسول له نفسه التلاعب بمشاعر الناس وعقائدهم.
لقد علق أحد المصلين في مسجد الزهراء متهكماً على الحدث قائلا : "هم يعتقدون أننا جهلة وأننا لا نستطيع التمييز بين الحق والباطل ! إنهم أغبياء حقاً". ويقصد بالأغبياء طبعاً أولئك الشيوخ الذين لا يهنأ لهم بال إلا بعد أن يفرغوا أحقادهم و خزعبلاتهم على أبناء المذاهب الأخرى، وكأنهم وكلاء الله على الأرض، ويمتلكون الحقيقة دون سواهم من بني البشر.
متى تتصدى حكوماتنا لرجال الدين الذين يلعبون بالنار؟ لو كنت مكان الدول العربية لسننت قوانين قراقوشية تلجم خطباء المساجد والحسينيات الذين يحرضون ضد المذاهب والطوائف الأخرى، وتجعلهم يفكرون ألف مرة قبل إطلاق العنان لألسنتهم الشيطانية.
شكراً للمصلين في مسجد الزهراء الأردني! وشكراً سلفاً لأي مصل في أي حسينية يتصدى بنفس الطريقة لأي خطيب يحاول النيل من الطوائف والمذاهب الأخرى!