الموضوع : حوار صحفي ـ العلاقة مع ألمانيا وأسس القضية الفلسطينية
المكـان : مكتب الجامعة العربية في "بون" ألمانيا الاتحادية ـ 10/8/1970
المناسبـة: أثناء زيارة الإمام السيد موسى الصدر إلى ألمانيا دعي من قبل مكتب الجامعة العربية في بون لهذا اللقاء الصحفي.
المقدمـة : بعد الترحيب بالصحفيين الألمان وبالحضور والشكر لصاحب الدعوة قال سماحة الإمام السيد موسى الصدر:
ـ الــنـــص ـ
أولاً: أتمنى أن تحقق رحلتي هذه غايتها، وتكون خطوة واسعة في سبيل تحسين العلاقات و التعاون بين الشعبين الألماني واللبناني بصورة خاصة وبين الشعب الألماني والعرب بصورة عامة. تلك العلاقات والتعاون المفيدين جداً للجانبين، كما والمساهمة في خدمة السلام وفي تحسين حياة الإنسان في كلّ مكان.
ولا أشك أنني كرجل دين، يخدم الله؛ ويعتقد أن أفضل العبادات خدمة خلق الله؛ يتمكن من الإسهام في تحقيق هذه الغاية لإخلاص نيته وشرف غايته وطهارة مساعيه.
ثانيا: إن الشعب الألماني له مكانة كبيرة في نفوسنا، وقد بلغ قمة الحضارة الحديثة كماً وكيفاً. واعتقد أن سبب هذا النمو السريع هو صفاته الثلاث: والتخطيط والعمل الجاد.
والشرق العربي بتاريخه الزاخر بالرسالات السماوية وبانتشار العلوم، وبأرضه الواسعة الغنية المعتدلة، وبشعبه الكبير الأمين على القيم الروحية والتجارب الحضارية الإنسانية، وبإنسانه الذي يجسد آلاف السنين من التجارب الإنسانية في حقول العلم والأخلاق والتصرف والفلسفة.
هذان الجناحان من الإنسانية يتمكنان من مبادلة الكفاءات، ومن السير في خط الكمال في خدمة أنفسهم وخدمة العالم، خاصة أننا نؤمن أن في هذا التفاعل تحقيق للغاية من الخلق، حسب قوله تعالى في القرآن الكريم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (الحجرات:13)، أيّ ليعرف كلّ شعب ما عند الآخرين من كفاءات فيأخذ منها ويعطي ما عنده.
ولبنان بصورة خاصة حيث يلتقي أبناء الديانات ويعيشون اخوة مواطنين وتجتمع ألوان من الثقافة والحضارة والتيارات الفكرية من الماضي والحاضر ومن الشرق والغرب، هذا البلد الذي يعد ضرورة حضارية لخلق الحوار بين أعضاء الجسد الإنساني الكبير، ويعد ضرورة دينية يرفع عن الأديان تهمة التعصب وتقسيم البشرية و تجزئتها، وضرورة ثقافية يسهل عليه أن يكون لساناً وسمعاً للاستماع والمخاطبة بين الشرق والغرب وبين القارات. هذا البلد، لبنان له تجارب إنسانية فنية يمكن الاستفادة منها، ولا يعرف في تاريخه اضطهاداً لا ليهود ولا لغيرهم.
إن التفاعل بيننا يعالج كثيراً من مشاكلنا ومشاكلكم، ويدفع عنا أخطاراً تعرضنا لها مرات، ويخدم الإنسان والسلام معاً.
ثالثاً: أن هذا التفاعل تعثر سابقاً لسببين:
أ ـ عد م معرفة الشعب الألماني وجميع الشعوب الغربية لحقيقة العرب وكفاء اتهم وامكاناتهم الواسعة لأجل رفع مستواهم ولأجل الاسهام في بناء حضارة إنسانية شاملة.
ب ـ محاولة التشويه وخلق صورة كريهة عن كلّ جانب للجانب الآخر، وهي محاولة مستمرة وما تزال قائمة وتحول دون المعرفة الحقيقية وبالتالي التعاون الشامل الصحيح.
إنني أحاول في هذا اللقاء إعطاء صورة صحيحة عن الوضع في لبنان وفي الشرق الأوسط، خدمة للحق وتسهيلاً لمهمة التعاون بين الشعبين، وسوف أنقل أيضا لإخواني من هنا صورة صحيحة لما أشاهد.
رابعاً: إن منطقة جنوب لبنان تتعرض بصورة مستمرة للقصف الإسرائيلي، وتدخل إليها الدوريات الإسرائيلية وتُهَدد من قبل المسؤولين الإسرائيليين بشكل مستمر تقريبا. وتتذرع السلطات الإسرائيلية لتبرير اعتداءاتها التي خلقت من الجنوب منطقة مهجورة ووضعاً مأساوياً تتذرع بوجود المقاومة الفلسطينية وبنشاطها في هذه المنطقة.
إن هذه الذريعة ليست صحيحة ولا تخفي نوايا وأعمال إسرائيل العدوانية ضد لبنان وذلك للأسباب التالية :
1 ـ إنّ الدول العربية المجاورة ليست مكلفة بحماية حدود إسرائيل، انه ليست بوليساً لإسرائيل، بل المسؤول قانوناً وضميرياً عن سلامة حدود إسرائيل هو إسرائيل نفسها.
2 ـ إنّ وجود الفلسطينيين وبينهم قوات المقاومة على أراضي لبنان بنسبة 1/6، وقد حصل هذا بفعل إسرائيل التي شردتهم عام 1948 ولا يمكن اعتبار لبنان مسؤولاً عن هذا.
3 ـ إننا نملك مواثيق تؤكد أن إسرائيل تطمع في جنوب لبنان، وذلك حسب الخرائط المطبوعة من قبل السلطات الإسرائيلية وحسب تصريحات المسؤولين وبموجب تصرفات الإسرائيليين أنفسهم.
يقول وزير الدفاع الإسرائيلي : إذا كان هناك شعب التوراة فان هناك أرض التوراة.
ونحن نعتقد أن مفهوم أرض التوراة عند السياسيين الإسرائيليين مفهوم خاطئ، كما سنبينه، ولكنها حسب زعمهم أرض تشمل جنوب لبنان ومناطق كثيرة أخرى من العالم العربي.
ويقول وزير الدفاع الإسرائيلي في 15/7/1968: أن آباءنا توصلوا إلى حدود مشروع التقسيم. وجيلنا وصل إلى حدود 1948. أما جيل الأيام الستة فقد وصل إلى السويس والأردن وهضبة الجولان. وهذه ليست النهاية، فبعد خطوط وقف إطلاق النار الحالي ستأتي خطوط جديدة ستمتد عبر الأردن وربما إلى سوريا الوسطى.
ثم إننا عرفنا أن طلاباً إسرائيليين يدرسون مشاريع مخططة على مياه جنوب لبنان وغيرها.
4 ـ إنّ قضية المقاومة الفلسطينية قضية شعب كامل تشرد من أرضه التي عاش عليها آلاف السنين، لا يملك اليوم شيئاً سوى أمل العودة إلى أرضه بعد أن كانت قيمة ممتلكاته الشخصية تبلغ مليارى دولار.
انتظر هذا الشعب عشرين سنة فما أنصفه أحد في العالم. بل نسيه الكل حتى المؤسسات الدولية التي أصدرت مئات القرارات في الجمعية العمومية للأمم المتحدة وفي مجلس الأمن وفي الفروع الأخرى التابعة لها، ولكنها لم تنفذ قراراً واحداً منها، فاضطر إلى استلام قضيته، ووضع ثمنا لعودته غاليا، هو التضحية بجيل كامل..
إنه لا يملك أرضا كي يجند جيشاً نظامياً.. انه لا يشكل دولة معترفاً بها لكي يدخل هيئة الأمم المتحدة أو يدخل حوارا مع أحد لأجل الحل السلمي.
إنه لا يملك قاعدة انطلاق إلاّ الأرض العربية المجاورة ومنها جنوب لبنان.. انه لا يجد مجالاً للعمل وتأمين حياته ولا الإسهام في السلام العالمي وفي حضارة الإنسان.
خامساً: إن وجود لبنان كدولة تشمل مذاهب مختلفة وعناصر متنوعة تعيش بنظام ديمقراطي مسالم لا يروق لدولة تقوم على أساس عنصري ومذهبي.
وهذا الاستيلاء ظاهر في تصريحات وتفسيرات صحفية تصدر دائماً، وخاصة بعد حادثة مطار بيروت حيث تناولت الصحف الإسرائيلية في الداخل وفي الخارج خلق فتنة طائفية بين اللبنانيين.
سادساً: لأجل إلقاء الأضواء على حقيقة ارتباط الشعب الفلسطيني بأرضه علينا أن نستمع إلى بعض الحقائق :
أ ـ العنصر الأول: في سنة 1918 وبعد الحرب العالمية الأولى كان عدد سكان فلسطين /700000/ نسمة، منهم /644000/ عربي (574000 مسلم و 70000 مسيحي) والباقي /56000 يهودي أيّ ما نسبته 8% من السكان تملك 2% من الأراضي.
وفي سنة 1946 وبنتيجة وعد بلفور وتطبيقه من الحكومة البريطانية كسلطة منتدبة على فلسطين، بلغ عدد اليهود /608000/ نسمة وكان عدد السكان العرب /1293000/ نسمة.
في سنة 1947 قررت هيئة الأمم المتحدة تقسيم فلسطين بحيث يكون : للدولة اليهودية: 14000/كم2 للدولة العربية: 11000/كم2.
وعلى اثر انسحاب القوات البريطانية من فلسطين في 15 أيار 1948 هجمت القوات الصهيونية، من نظامية وغير نظامية، واحتلت القسم الوارد في مشروع التقسيم، واحتلت فوقه ما مساحته 6300/كم2 اشتملت على حيفا وعكا والقدس الجديدة وغيرها.
= يتبع =