المكـان : بيروت دار الإفتاء الجعفري ـ 29/5/1969
المناسبـة : زيارة فخامة رئيس الجمهورية لسماحة الإمام الصدر مهنئاً بانتخابه رئيساً للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى
المقدمـة : زار الرئيس شارل حلو عند الساعة الخامسة والنصف من بعد ظهر يوم الخميس 29/5/1969 دار الإفتاء الجعفري، حيث قدّم التهنئة لسماحة العلامة السيد موسى الصدر بمناسبة انتخابه رئيساً للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.
وكان في استقبال فخامة الرئيس سماحة العلامة الإمام موسى الصدر وأعضاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ورئيس مجلس النواب السيد صبري حمادة وكبار الشخصيات الرسمية. وخلال اللقاء، جرى تبادل الكلمات بين سماحة الإمام الصدر وفخامة رئيس الجمهورية.
ـ الــنـــص ـ
فخامة الرئيس،
كنت سابقاً أدرس تاريخ علماء الطائفة الإسلامية الشيعية في لبنان، وأقف بدهشة أمام ظاهرة غريبة، هي أن خمس علماء المسلمين الشيعة من لبنان، وأن خمس كتب الشيعة هي من تأليف علمائهم اللبنانيين، مع العلم أن عدد أبناء الطائفة في لبنان ما بلغ يوماً 1% من شيعة العالم، وإنه لا يوجد في لبنان لا قرية ولا مزرعة إلاّ وظهر منها عالم في الفقه، أو أديب أو فيلسوف.
كنت أدرس هذه الظاهرة وأقرأ ما يقوله البعض، من أن هذه الظاهرة هي نتيجة قداسة الأرض والبركة التي منحها الله إياها، أما اليوم وفي مناسبة تكوين هذا المجلس تمكنت من تفسير هذه الظاهرة تفسيراً علمياً، ففي هذه الأيام وجدنا لبنان بمختلف طبقات شعبه ورجال دينه، وقادته المدنيين من السياسيين وغيرهم، شاركنا مشاركة كاملة في الترحيب بهذا الحدث المبارك. وها نحن اليوم نجد بيننا وفي بيتنا رئيس البلاد يتوج هذا الترحيب ويكمل هذه الفرحة.
إن لبنان هذا الذي يفتح قلبه للعلم والتنظيم والتوجيه الديني عن أي طائفة من طوائفه، لبنان هذا وشعبه العظيم وراء الظاهرة المذكورة. فالفضيلة تنمو في المناخ الملائم لها، والعلم والعلماء يزداد عددهم إنتاجهم في مثل هذا البلد، وأمام هذه العواطف والمواقف فلنسجّل كلمة شكر عميق، وتقدير مخلص لهذا البلد ولشعبه ولرئيسه المعظم الذي صدر قانون تنظيم شؤون الطائفة في عهده، وعلى وثيقة توقيعه ونفذ في أيامه.
وكلمة شكر وتقدير لصاحب التوقيع الثاني الذي غمرنا أيضاً بمحبته وتمنياته دولة الرئيس كرامي.
أما دولة الرئيس حمادة الذي رعى جميع مراحل هذا المشروع، وصانه وحماه وأعطاه الكثير من قلبه وعقله وخبرته، فلست أولى منه بطائفته لكي أشكره.
فخامة الرئيس،
انطلاقاً من هذا الواقع نحن في هذا اليوم ننظر إلى المستقبل بثقة وأمل، فتنظيم شؤون الطائفة يمكننا من تحسين الوضع الذي نعيشه، ومن المساهمة الفعالة في تحسين وضع البلد، حيث أن التنظيم يحول دون اصطدام الطاقات وهدرها، وبالتالي يضاعف إنتاجها، ثم بعد ذلك، وبعد أداء واجبات المواطنية الصحيحة، لا يقف أمام المطالبة بالحقوق، وأمام تحقيقها من قبل السلطات، ومن قبل بقية المواطنين أي مانع.
فخامة الرئيس،
إننا نعتقد أن في الطابع الديني سر قوة المجلس ونجاحه، حيث أن السمو عن الأنانية الأرضية والنزعات الخاصة يؤدي حتما إلى التقارب والتلاقي وسهولة التعاون البناء، وها نحن أبناء الطائفة، على مختلف آرائهم وأفكارهم ومواقفهم، قد اجتمعوا فأسسوا المجلس، وهم الآن مجتمعون لأجل نجاحه وتحقيق أهدافه.
ثم أن الإيمان بالله الذي يجل عن الوصف والحد، والسعي لكسب رضاه الذي لا نهاية له، يكوّن طموحاً في الإنسان لا يقطع، وحركة دائمة حتى آخر لحظة من الحياة، وفي خدمة خلق الله طلبا لرضاه.
والطابع الديني هذا يجعل القاعدة إيماناً وثقة بالله، ونحن نثق به لا بأنفسنا، حيث أننا لا نملك شيئاً، أما طاقاتنا ووجودنا كله فأمانة من الله، والثقة بالله تمنعنا من الغرور الذي هو جمود الإنسان وشعوره بالاكتفاء والاستغناء، وتكون الفعالية والتحرك في طريق الخير والمصلحة العامة، حيث أن الله لا يرضى عنا إذا سلكنا سبيل الشرور، وخضعنا للأهواء والنزعات والأنانيات. أن الطابع الديني هذا، والذي هو الرصيد الأساسي للمجلس، يفرض علينا أن نهتم بوضع التربية الدينية والحد من الفساد والميوعة ولهذه الغاية علينا أن نتعاون والسلطة ونتبادل التعاون الوثيق مع العائلات الروحية اللبنانية بأجمعها. وهذا التعاون المثمر يخدم القضية الوطنية بصورة مباشرة وصريحة حيث ينقذ الوطن من الانهيار ويسهل في الوقت نفسه، عن طريق خلقي، ثقة متبادلة في التلاقي العام المنطقي لأجل المحافظة على لبنان وسيادته وسلامة أراضيه.
فخامة الرئيس،
اسمحوا لي أن أتحدث الى فخامتكم بعد هذه المقدمة، بعد الوقوف على محتواها بإسم جميع أبناء الطائفة الإسلامية الشيعية في لبنان، أولئك الذين ما تخلفوا يوماً عن أداء واجبهم الوطني والقومي. وأقول أننا الآن، وبكل اعتزاز، وبثقة وأمل أكثر، مستعدون لتحمل كل مسؤولياتنا الوطنية وأداء واجبنا للحفاظ على استقلال لبنان وحريته وسلامة أراضيه مهما بلغت التضحيات ومهما غلا الثمن.
وأقول، أننا الآن، وقبل الآن مستعدون للقيام بكل واجباتنا لأجل تحرير الأراضي المغتصبة عن طريق دعم المقاومة الفلسطينية المقدسة، والمشاركة الفعلية مع الدول العربية الشقيقة.
وإن هذه المسؤوليات نجدها على عاتقنا كمواطنين، و نؤديها من خلال تجاوبنا الكلي مع القادة المخلصين الذين يتحملون أعباء القيادة في هذه الظروف العصيبة، بقيادتك أنت يا فخامة الرئيس.
فخامة الرئيس،
إن من يظن أن وجود الطوائف المختلفة في لبنان وتنظيم شؤون هذه الطوائف من أسباب ضعف الإحساس الوطني والقومي، فقد ينظر لهذا الأمر من خلال زاوية ضيقة. بل الطوائف المختلفة المنظمة منطلقات للتعاون ونوافذ حضارية على مكاسب لمليارات من البشر في هذا العصر والعصور الماضية تدخل هذه التجارب الى لبنان، وتكون جسماً واحداً لا يمكن أن ينقص عضو منه وبالتالي ذلك يقوي الوحدة الوطنية الإنسانية.
وفي ما يخص مجلسنا فأننا نعلن أننا على استعداد كامل للتلاقي مع جميع المسلمين لخدمة الإسلام ديننا العزيز، وللسعي لأجل تقارب أبنائه وتوحيدهم، وعلى استعداد كامل للتلاقي مع جميع الطوائف لخدمة الدين والأخلاق، وللحفاظ على هذا الوطن الغالي.