كلمة ـ دور الطائفة الإسلامية الشيعية وأهمية تنظيم شؤونها
المكـان : بيروت دار الإفتاء الجعفري ـ 22/5/1969
المناسبـة : اثر اجتماع الهيئتين التنفيذية والشرعية وآثر انتخابهما الإمام الصدر رئيساً للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ألقى سماحته هذه الكلمة.
ـ الــنـــص ـ
بسم الله وله الحمد..
شكراً عميقاً على الثقة التي أوليتمونيها، ودعاءاً مخلصاً للساعين في هذا الأمر وفي تكون هذا المجلس الذي وضعت نواته قبل خمس سنوات، وأبتهالاً إلى الله العلي القدير لكسب رضاه والتوفيق على أداء الواجب والتمكن من تحمل المسؤوليات.
إن الحدث الذي نعيشه اليوم يتلخص في كلمة التنظيم، وبتعبير أدق محاولة التنظيم للطائفة الإسلامية الشيعية في لبنان.
والتنظيم شرط أساسي لنجاح كل عمل في العالم وفي هذا الكون الذي خلقه الله على أتم تنظيم، فالعمل غير المنظم عمل غريب عن هذا الكون الذي خلقه الله على أتم تنظيم، فالعمل غير المنظم عمل غريب عن هذا الكون ومحكوم بالفشل، وها هو كتاب الله العزيز يعلمنا ذلك بقوله {وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ . أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} (الرحمن: 7 -
. ولعل الحضارة البشرية من أولى منتجاتها ومكاسبها: التنظيم الدقيق، وهذا يؤكد بصورة جازمة ضرورة التنظيم في أي عمل من مستوى العصر.
على هذا الأساس يمكننا أن نقول: أن الأدوار التي كانت على عاتق الطائفة الشيعية في مختلف الحقول والمستويات سوف تتمكن بعد هذا الحدث من أدائها بصورة أدق وبوجه أحسن.
فللطائفة هذه دور تاريخي، ثقافي ووطني، في لبنان يشهد به التاريخ باعتزاز. ولها أيضاً دور جغرافي عميق حيث كان أبناء الطائفة ولا يزالون يسكنون حدود لبنان ويرابطون مخلصين مجاهدين.
ولهذه الطائفة أيضاً أدوار مشرفة في الإسلام على صعيد العالم والثقافة، وعلى صعيد تطوير الأفكار الدينية والاجتهاد في الفقه والتفسير والفلسفة. ولها مشاركات مشهودة في تنمية الروح الدينية والأخلاقية، وفي الحوار الإيجابي البناء في مختلف الملل والطوائف، وتنقل الكتب مواقف متعددة أبرزها مجالس الإمام الجواد وهشام بن الحكم.
ثم إنهم ما تخلفوا يوماً عن مسؤولياتهم الوطنية والقومية في كل زمان ومكان. وها هم أبناؤنا المغتربون يقومون بدور طليعي في أقطار العالم للقضايا الوطنية والقومية.
هذه هي بعض الأدوار التي كانت على عاتق أبناء هذه الطائفة، فالتنظيم سيؤدي إلى تنسيق طاقاتهم وتجنيدها ومنعها من الهدر والاصطدام وبالتالي سوف يمكنهم من الخروج عن الوضع الحاضر الذي لا يرضي طموحهم ولا طموح مواطنيهم إلى الوضع الأفضل. على هذا نأمل جميعاً أن يكون هذا اليوم بداية عهد جديد في تاريخهم تتحسن فيه أوضاعهم ويشاركون فيه مشاركة فعالة لتحسين أوضاع وطنهم ولحماية أرضه من العدو الغادر، ومن الطبيعي أن هذا السعي سوف يقابل بصورة حتمية بتعاون الطوائف الشقيقة والسلطات المسؤولة، وسوف يعالج الحيف المزمن اللاحق بهم.
أمام القيام بدورهم الإسلامي الكامل فكراً وعملاً وجهاداً فإني أحب أن أؤكد أن هذا التنظيم لن يفرق إطلاقا بين المسلمين، بل يسهل مهمة التوحيد الكامل عن طريق الحوار والتفاهم والتقارب، ولا حوار إلا بين الممثلين الحقيقيين، والتنظيم طريق التمثيل الصحيح.
إننا نعلن ذلك بقلب مفتوح ويد ممدودة راجياً تفهم هذه الحقيقة دون شك أو تشكيك والمستقبل خير شاهد بإذن الله.
وللتنظيم ثمرة كبيرة أخرى هي معرفة الأوضاع الحقيقية لأبناء هذه الطائفة وتهيئة الإحصاءات اللازمة.
وهذا يعني الإكثار من إمكانية محاربة الجهل والفقر والتخلف الاجتماعي. تلك الإمكانيات التي سوف تؤدي ما عليها بإخلاص، وسوف نؤدي ما علينا بإخلاص، ونطالب بما على السلطة بإصرار.
ومن جانب آخر نتمكن من وضع تخطيط لمحاربة الفساد والميوعة بالتعاون وتبادل المعلومات والتجارب مع كافة العائلات الروحية اللبنانية لكي نتمكن بإذن الله من وضع حد للفساد الخلقي المتزايد الذي يهدد مصير لبنان والعالم أجمع.
أما الدور الجغرافي لأبناء هذه الطائفة فيبدوا في هذا اليوم العصيب أكثر وضوحاً وأكثر حاجة للتنظيم الذي يمكننا من الاستعداد الجسدي والنفسي، ومن المطالبة بتحصين مناطق الحدود وتحسين مناطقنا، وتحسين أوضاعها لاجتماعية والاقتصادية والتجنيد الإجباري، لكي نؤدي بالتعاون مع المسؤولين واجبنا في الحفاظ على أرض الوطن، وفي المشاركة الصحيحة مع أشقائنا لمساعدة المقاومة الفلسطينية لتحرير الأراضي المغتصبة.
إن هذه الآمال تبدو نتائج طبيعية للتنظيم، فهي أهداف لا أحلام، ولكنها بحاجة إلى جهد وعمل وإخلاص وزمان، فاليوم، ومع ولادة المجلس الأعلى، نحن لا نملك شيئاً حتى مكتب المجلس وموازنته، اللهم إلا عناية الله والطاقات.
ولهذا فالحاجة ملحة إلى أن يكون المجلس ملتقى الجميع دون استثناء وقاسماً مشتركاً، أما المعارضة الإيجابية، أما التفاوت في وجهات النظر فسبيل لكمال الهدف وتحركه وقلة الأخطاء في طريقه، وان على المجلس أن يمتنع ولو بصورة مؤقته عن الاهتمام بقضايا خاصة ومصالح الأفراد وعليه التفرغ للتخطيط العام والسعي للمهمات الكبرى الملقاة على عاتقه.
إن الشكل الطبيعي للمجلس الذي يمثل السادة العلماء والقادة السياسيين والخبراء المدنيين يبشر بنجاح المشروع وبالرغم من نواقص قانونه.
فالسادة العلماء طليعة الدعوة إلى الله، إلى الحق، إلى السمو عن الأنانيات، وهذه الدعوة التي هي الأساس لتنظيمنا العتيد تمهد الطريق وتسهل كافة المهام.
أما القادة السياسيون والخبراء المدنيون فيشكلون الجناح السياسي والمحتوى العلمي للمجلس، ومع تفرغ كل لعمله، نتأكد بإذن الله أن نصبح أكثر فأكثر يداً قوية وعضداً متيناً للبنان وللعرب وللإسلام وللإنسان في كل مكان.
أسأل الله أن يأخذ بيدكم جميعاً لما فيه خير لبنان والعرب والإسلام، والله حسبنا وعليه توكلنا وهو نعم الوكيل.