لقد كنت أحيا حياة رغدة في أمريكا، وكنت أملك شتى الإمكانات، ولكني طلقت اللذائذ ثلاثاً وذهبت إلى جنوب لبنان حتى أعيش بين المحرومين[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]( الشهيد مصطفى شمران)وجاء من اقصى المدينة رجل يسعى ... من حيث الرخاء أتى .. من حيث الحياة الدنيا وزينتها أتى .. من بلاد الشهوات واللهو .. نفض غبار الملل والقعود ، واتبع الجهاد الذي يرفع صاحبه إلى مرتبة يفضله الله تعالى بها على القاعدين ، في عينيه عناء المحرومين ، في نظراته دموع اليتامى ، في تواضعه موسى الصدر ، وفي جهاده أمل .
إنه الشهيد القائد مصطفى شمران ، وكي نسجل في التاريخ أننا أوفياء لشهدائنا وقادتنا المجاهدين وكي لا ننساهم ، لأن سيرتهم تتصل بسيرة قائدنا المغيب السيد موسى الصدر وجهاده ، وبتعاليم من الأخ الرئيس الحاج نبيه بري بتصميم صفحة للشهيد القائد مصطفى شمران تروي سيرة أبطال من تربوا في أمل ، ودافعوا عن قضايا المحرومين في العالم ... ولم يبدلوا تبديلا.
وستبقى أمل بإذن الله تعالى حركة اللبناني نحو الأفضل .. ولن تهدأ مادام هناك محروم واحد .
أما بعد ..
ولادة قائدولد الشهيد القائد مصطفى شمران عام (1933م) في مدينة قم، ثم ما لبث أن انتقلت عائلته إلى طهران للعيش فيها بعد عام واحد من مولده. وكان الشهيد القائد طفلاً محباً للعزلة غارقاً في التأمل والتفكر متجنباً للصخب والضجيج ومستغرقاً في مشاهدة جمال وجلال الطبيعة والوجود الإلهي. كما كان معجباً بالسماء وعاشقاً للنجوم المتلألئة. وبعد أن أنهى دراسته الابتدائية في مدرسة (انتصارية) بالقرب من (پامنار) فانه انتقل إلى ثانوية دار الفنون، ثم قضى العامين الأخيرين في ثانوية (البرز) دون مصاريف دراسية، وكان تلميذاً ممتازاً على طوال هذه المرحلة. كما كان يتميز بالرقةوالحساسية المفرطة، ويتألم من صميم قلبه لآلام المحرومين ويشاركهم عناءهم بعواطفه المستفيضة. ولقد كتب هو في مذكراته مصوراً تلك الفترة من حياته، فقال:
"عندما كنت عائداً تحت جنح الليل المظلم، شاهدت شخصاً فقيراً يرتجف من البرد القارس وسط ثلوج الشتاء، غير أنه لم يكن بإمكاني أن أعد له مكاناً دافئاً، فقررت أن أقضي تلك الليلة مثله أرتعش من البرد بعيداً عن المأوى، وقد فعلت؛ فقطعت الليل حتى الصباح وأنا أرتجف من شدة البرودة لدرجة أنني أصبت بالمرض الشديد، وما أجمله من مرض".
"عندما رسب أحد زملائي في الامتحان أخذت أذرف الدموع بحرارة لدرجة أنه شعر بالألم الشديد، فأخذ يهدئ من روعي قائلاً: ليس مهمّاً، لا تحزن إلى هذه الدرجة".
الالتحاق بالجامعةوفي عام 1332هــ.ش التحق الشهيد القائد مصطفى شمران بالكلية الفنية في جامعة طهران وبدأ دراسته في قسم الهندسة الكهربائية، ولمّا كانت تلك الفترة متزامنة مع مرحلة الانقلاب فإنه اضطلع بالنشاط الواسع في النضال السياسي الشعبي والتظاهرات الخطيرة المناوئة للنظام الملكي.
فحيثما كان الألم والعناء والعمل والمسؤولية والمشاكل والمخاطر، كان الشهيد القائد حاضراً؛ فكان يركب الخطر وسط التظاهرات العارمة وأمام الإطلاقات النارية وفي مواجهة الدبابات وفي خضم المسؤوليات الكبرى، وكان دائماً ما يعرض نفسه للخطر من أجل إنقاذ حياة زملائه. لم يكن يشارك في مراسم الأفراح والمسرات، وكانت سعادته الكبرى في إسعاد الآخرين وتحمل آلامهم، لدرجة أنه كان يشعر بالضيق والقلق عندما تسترعيه الضرورة لحضور أحد الأفراح، لأنه كان دائم التفكير في شقاء البؤساء والمحرومين من مثل هذه المتع والمباهج.
ومع انخراطه الكامل في كل هذه المشاكل ومشاركته الفعالة في ميادين الصراع السياسي والاجتماعي ألاّ أنه تخرج من الجامعة بدرجة ممتاز وكان الأول على دفعته حتى إن أساتذة وطلاب تلك الكلية ظلوا يتناقلون اسمه على ألسنتهم عدة سنوات؛ ويقول الشهيد القائد مصوراً مشاعره وعواطفه في تلك الأيام:
"أذكر أنني كنت أذهب إلى الجامعة، وكان الثلج يتساقط والجو بارداً، وتمرّ عليّ أيام ولم يكن لديّ من النقود شيء، وكنت أقطع الطريق الطويل من المنزل إلى المدرسة مشياً مما كان يستغرق أكثر من ساعة ونصف، وهو الأمر الذي كان يجعل يديّ وقدميّ تتجمدان من شدة البرد، غير أنني لم أكن أطلب نقوداً من أحد. وكان والدي كثيراً ما يلحّ عليّ بإعطائي النقود ولكني لم أكن لأقبل ذلك، حيث كان من العسير عليّ جداً أن أتقبل شيئاً من أحد، ولاسيما عندما كنت أتعرض للضغوط الشديدة مع قسوة الحياة. وظل هذا الإحساس ينمو ثم يلقي بظلاله على كل حياتي ويؤثر بشكل فلسفي عميق على شتى أفكاري وأفعالي".
لقد كان الشهيد القائد يمارس التدريس منذ الصغر ويسدّ بعض حاجياته من ذلك الطريق؛ لقد كان عبقرياً في الرياضيات وخصوصاً في الهندسة لدرجة لا يشق له فيها غبار، وعندما كان الاستاذ يعرض حلاً لإحدى المسائل كان هو سرعان ما يعرض حلاً أفضل. وعلاوة على ذلك فإنه كان يحضر درس تفسير القرآن الكريم لدى المرحوم آية الله الطالقاني في مسجد (هدايت) كما كان يحضر دروس الفلسفة والمنطق عندما كان طالباً جامعياً لدى الأستاذ الشهيد آية الله مرتضى المطهري، وكان عضواً نشطاً في اتحاد الطلبة المسلمين عندما كان يتهم المسلم المتدين بالرجعية والتخلف. ومع أن الجامعة في تلك الفترة كانت خاضعة للسيطرة السياسية الشيوعية من جانب حزب (توده) وعندما كان مسجد الجامعة لا يتجاوز حجرة صغيرة مهملة في الكلية الفنية لا يدلف إليها ألاّ قلة من الطلبة مع الكثير من الخوف جراء ما يمارس ضدهم اليساريون من إهانة وتصفية سياسية، ألاّ أنه كان أحد الذين أضفوا رونقاً وبهاءً على ذلك المصلى بحضورهم المتواصل، لدرجة أن أول كلية استطاعت أن تعبئ قواها الدينية والوطنية ضد قواعد اليساريين (أعضاء حزب تودة) وتقضي عليها في اتحاد الطلاب كانت في الواقع هي الكلية الفنية في جامعة طهران.
وبعد الحركة الانقلابية في الثامن والعشرين من شهر مرداد وتأسيس جمع من رجال الدين والسياسة لنهضة المقاومة الوطنية، فإنه أصبح ممثل الكلية الفنية في هذه النهضة. وعندما وقعت تلك الحادثة الدموية في السادس عشر من شهر آذر سنة 1333هــ.ش التي أطلق خلالها جلاوزة الشاه الرصاص على الطلبة فقتلوا ثلاثة منهم في ممرات الكلية الفنية لدى قدوم الرئيس الأمريكي نيكسون، فإن الشهيد القائد كان أحد الذين أصيبوا بجراح طفيفة في ذلك اليوم. كما كان هو الذي كتب مقالاً في ذلك الزمان وصور فيه شتى أبعاد ومشاهد حادثة يوم السادس عشر من آذر، وهو ذلك المقال الذي نُشر في أمريكا فيما بعد في مطبوعة بنفس هذا الاسم. وفضلاً عن كفاءته الدراسية والعلمية العالية فإنه كان يتمتع أيضاً بذوق فني وحس عرفاني ممتاز. فخطه الجميل ورسومه الرائعة وكتاباته السلسة وكذلك خصوصياته العقائدية البارزة في قوله وسلوكه تجعله متميزاً عن أترابه منذ شبابه المبكر. ومع أنه كان يبدو نحيفاً ألاّ أنه كان يبز أقرانه في المصارعة والرياضة الميدانية. ولهذا فإنه كان يحب المصارع البطل (تختي) وكتب مقالاً تجليلاً له بعد موته تحت عنوان (المصارع الشهم تختي).
يتبع ........................................