هل خلافة يزيد شرعية؟

البيعة لغة من البيع ضد الشراء وفي الاصطلاح العرفي اعطاء المحكومين ثقتهم للحاكم وانتخابهم له وقبولهم به حاكماً واميراً.

فالبيعة في الإسلام ومن خلال الآية الكريمة: (إن الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فانما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه اجراً عظيماً) (الفتح: 10).

والبيعة تعني المعاهدة والميثاق مع الله تعالى يوقعها المسلم بواسطة النبي (صلى الله عليه وآله) أو نائبه الشرعي فهي معاهدة وعقد وميثاق على الطاعة والانقياد والعبودية الكاملة في كل ما يأمر به وينهى عنه على لسان أنبيائه وحججه.

فالبيعة تعني بيع الإنسان نفسه لله تعالى كما في قوله تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة...) (التوبة: 115).

فالمبايع للنبي (ص) أو نائبه يعني سلم نفسه وارداته بيد المبايع له مقابل قيام الأخير بأداء واجبه تجاهه من تبليغ وإرشاد وتنظيم على أكمل وجه،وكل اخلال او تقصير بلوازم هذه البيعة وهذا الميثاق من الطرفين يعد خيانة لله تعالى كما ان تنفيذ مقرراتها والالتزام بشروطها يؤتي الأجر العظيم في الدنيا والآخرة.

وعليه،يجب على المبايع أن لا يمد يد البيعة إلا بعد التحقق والتأكد حتى يعرف الى من يمد يده ولمن يسلم مقرراته ومقررات أمته ومجتمعه،لله تعالى أم للشيطان؟ للحق أم للباطل؟ للعدل أم للجور؟ للوفاء والصدق أم للخيانة والكذب؟

ومن هنا فان (المبايع له) يجب ان تتوفر فيه صفات معينة وشروط خاصة تؤهله لتولي شؤون الأمة،ولقد لخص الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) تلك الشروط والصفات في خطبة له من نهج البلاغة فقال: (ولقد علمتم انه لا ينبغي ان يكون على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين: البخيل فيكون في أموالهم نهمه،ولا الجاهل فيضلهم بجهله،ولا الجافي فيقطعهم بجفائه،ولا الخائف للدول فيتخذ قوماً دون قوم،لا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق،ولا المعطل للسنة فيهلك الأمة).



مبايعة يزيد

لو عرضنا ما جاء ذكره - آنفاً - من شروط البيعة والضوابط التي يجب ان يراعيها (المبايع) في بيعته والصفات التي يجب ان تتوفر في (المبايع له) أو (المنتخب)،يظهر جلياً الجواب على السؤال المطروح من قبل (البعض) لم لَمْ يبايع الحسين (عليه السلام) يزيداً؟.

وبغض النظر عما أجمع عليه المسلمون ومن كل الفرق والمذاهب بل ومن غير المسلمين في حق الحسين من (الإمامة) والحق الواضح والسيرة الفاضلة والأخلاق الكريمة وطيب المعشر وحبه للخير والفضيلة وجهاده في إقامة العدل ورفع الظلم والجور والفساد وعمله في اصلاح الأمة وتقويم مسارها وصيانته من الانحراف وغيره،وما يقصر عنه في أي ابن انثى،وبغض النظر عما تعتقد به الشيعة من عصمة الأئمة (عليهم السلام) ومنهم الحسين (عليه السلام) وبالآيات الواضحات والأدلة القاطعة.

ومن هنا،فلا مجال ولو - افتراضا - مباراته (عليه السلام) في سيرة طاغية عصره ومصره،أو أنه ينافسه على شيء من المفاخر فان سيد شباب أهل الجنة متى كان يرى له شيئاً من الكفاءة حتى يتنازل الى مجاراته،ولقد كان (عليه السلام) يربأ بنفسه الكريمة حتى عن مقابلة اسلافه.

وعليه،فان يزيد لم يكن أهلاً لأن يبايع من قبل أي مسلم كان فضلاً عن الحسين (عليه السلام) وهو سيد شباب الجنة.

فيزيد لم يكن مسلماً،فكيف يبايع بإمرة المؤمنين وخليفة على المسلمين،فإن كفر يزيد وزندقته وإلحاده واستهتاره بكل القيم والمقدسات اشهر من نار على علم،فلقد اجمع المؤرخون وأهل السيرة على ان يزيد بن معاوية كان فاسقاً فاجراً خماراً سكيراً يضرب بالطنبور ويلعب بالفهود والقرود،وقد فرضه أبوه معاوية خليفة على المسلمين بقوة السيف مع علمه بفساده حيث كان يقول لولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي.

لذا،فلندع التاريخ يتحدث عن يزيد،ولنسمع له بعقولنا،وبكل دقة وموضوعية،ولو ان من هو مثل يزيد لا يستوجب ذلك لنقطع وبيقين على فسقه وفجوره وكفره.



من يأسف التاريخ لذكره!

نعم.. هو يزيد،والذي تأبى الإنسانية أن يكون هو ومن هو من مثله مِن فصيلها،نعم.. هو يزيد،الذي اجتمع فيه كل ما يضع الإنسان ويمحق كل ما يمت للفطرة التي فطر الله الناس عليها.

فكلمة الحسين (عليه السلام) في يزيد تكفي لكي نعرف حقيقة يزيد،والتي قالها بمحضر والي يزيد على المدينة الوليد بن عتبة وبمحضر قريبه مروان بن الحكم فلم ينكر عليه أحد منهما،فقال (عليه السلام): (... ويزيد رجل فاسق فاجر شارب للخمر قاتل للنفس المحرمة معلن بالفسق والفجور ومثلي لا يبايع مثله).

وقال (عليه السلام) لمروان لما أشار عليه بأن يبايع يزيد: (إنا لله وإنا إليه راجعون وعلى الإسلام السلام إن قد بليت الأمة براع مثل يزيد بن معاوية).



آراء وأقوال في يزيد

1 - عبد الله بن حنظلة

الصحابي الجليل ورئيس وفد أهل المدينة الى الشام بعد قتل الحسين (عليه السلام)،لما عاد الى المدينة جمع الناس في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) وقال: أيها الناس قد جئناكم من عند رجل يترك الصلاة ويشرب المسكرات وينكح الأمهات والأخوات ويلعب بالقرود والكلاب وإذا لم نخلع بيعته أخشى ان نقذف بالحجارة من السماء.

2 - الحسن البصري

العالم المعروف قال في معرض بيان جرائم (معاوية) العظيمة الموبقة وقد لخصها في أربعة:

1 - اغتصابه الخلافة.

2 - استلحاقه زياد بن سمية بأبيه أبي سفيان.

3 - قتله لحجر بن عدي الكندي وأصحابه.

4 - فرضه لابنه يزيد الخمير السكير خليفة على المسلمين بعده.

3 - ابن خلدون

العالم والفيلسوف الشهير يدعي الاجماع على فسق يزيد وفجوره من قبل كافة علماء المسلمين.

4 - التفتازاني

الفيلسوف المعروف،يحكم بجواز لعن (يزيد) ولعن (اتباعه) فيقول بالنص في كتابه (شرح العقائد): الحق ان رضا يزيد بقتل الحسين (عليه السلام) واستبشاره به واهانته أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) مما تواتر معناه ونحن لا نتوقف في شأنه بل في إيمانه لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه.

5 - ابن حزم

العالم المعروف،قال في رسائله ما نصه: قيام يزيد بن معاوية كان لغرض الدنيا فقط فلا تأويل له فهو بغي مجرد.

6 - الجاحظ

يقول: المنكرات التي اقترفها يزيد من قتل الحسين وحمله بنات رسول الله سبايا وقرعه ثنايا الحسين بالعود وإخافته أهل المدينة وهدمه للكعبة المشرفة،تدل على القسوة والغلظة والنصب والحقد والبغضاء والنفاق والخروج عن الإيمان،فالفاسق (ملعون) ومن نهى عن شتم المعلون (ملعون).

7 - الآلوسي

يقول العلامة الآلوسي: من يقول ان يزيد لم يعص بذلك (يعني قتله الحسين عليهم السلام) ولا يجوز لعنه فينبغي ان ينتظم في سلسلة انصار يزيد.

8 - الذهبي

يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء: كان يزيد بن معاوية ناصبياً فظاً غليظاً جلفاً يتناول المسكر ويفعل المنكر،افتتح دولته بقتل الشهيد الحسين وختمها بوقعة الحرة فمقته الناس ولم يبارك في عمره.

9 - محمد عبدة

يقول الشيخ محمد عبدة: إذا وجد في الدنيا حكومة عادلة تقيم الشرع وحكومة جائرة تعطله،وجب على كل مسلم نصر الأولى ثم قال ومن هذا الباب خروج الإمام الحسين سبط الرسول (صلى الله عليه وآله) على إمام الجور والبغي الذي ولي امر المسلمين بالقوة والمكر يزيد بن معاوية خذله الله وخذل من انتصر له من الكرامية والنواصب.

10 - الحنفي

يقول ابن تغربردي الحنفي: كا يزيد فاسقاً مدمن الخمر.



يزيد يتحدث عن نفسه

لقد حفظ لنا التاريخ من شعر يزيد،والذي يعلن فيه عن نفسه بكفره والحاده وكما يصرح فيه عن فسقه وفجوره واستهتاره بالمقدسات.

إذ انه كان يقضي ليله ساهراً على موائد الخمر وفي مجلس الغناء،فقيل له يوماً وقد صاح المؤذن بصلاة الصبح،قم يا أمير المؤمنين الى المسجد لأداء الصلاة،فأنشد يزيد قائلاً:

دع المساجد للعباد تسكنها ... وقف على دكة الخمّار واسقينا

ما قال ربك ويل للذي شربوا ... بل قال ربك ويل للمصلينا

إن الذي شربوا في شربهم طربوا ... ان المصلين لا دنيا ولا دينا

ويروى: انه قد طلع الفجر من ليلة وهو سكران مع الندماء والمغنين ثم طرق سمعه نداء المؤذن حي على الصلاة فقال يزيد:

معشر الندمان قوموا ... واسمعوا صوت الأغاني

واشربوا كاس مدام ... واتركوا ذكر المعاني

اشغلتني نغمة العيدان ... عن صوت الأذان

وتعوضت عن الحور ... خموراً بالدنان

لذلك كله،وغيره (من مثله) كثير هل يحق لأحد ان يتغاضى عن ذلك ويدعي ان يزيداً امير المؤمنين او خليفة للمسلمين او انه ولي الأمر الذي طاعته واجبة.

اننا - نحن - الذين ننتمي الى أمة الإسلام والتي هي خير أمة أخرجت للناس لا يمكن لنا - ونحن - نقول ان نبينا الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) الذي أرسله الله رحمه للعالمين وبعثه ليتمم مكارم الأخلاق ولإقامة العدل ودفع الجور ليسود الناس المحبة والمودة والسلام،لا يمكن لنا - مع ذلك - إلا ان نتبرأ من (يزيد) ومن أمثاله،فلم يسجل التاريخ ولو بكلمة - ولو من رجل واحد - ان يزيداً قد حج البيت الحرام أو انه صام يوماً من شهر رمضان،او انه توجه الى القبلة،فيزيد قد اعلن عن نفسه انه ليس بمسلم،فلماذا يتشبث (البعض) من (المسلمين) به،وقد جاء في الحديث: (ان من احب قوماً حشر معهم).