خطاب ـ "الشياح لن تنزاح"
المكـان: حسينية الشياح ـ 9/7/1975
المناسبـة:
كان القصف العنيف بالمدفعية الذي تعرضت له منطقة الشياح السبب الرئيسي في بدء
اعتصام الامام الصدر في جامع الصفا. وبعد فك اعتصامه وانهاء حالة التوتر
في البقاع قام بزيارة تفقدية إلى الشياح للإطلاع على الاضرار ومؤساة اهل
الشهداء والجرحى.
المقدمـة:
قال الإمام السيد موسى الصدر بعد جولة قام بها أمس في منطقة الشياح: "ما أبشع ما شاهدت من قصف ودمار".
وأضاف: "لقد هاجموا "أمل" لأنهم يريدوننا ان نركع أمام العدو… انقلوا السلاح إلى الجنوب، فجولة اخرى ستقضي على لبنان".
وكان الإمام الصدر تفقد قبل الظهر، منطقة الشياح التي كانت مسرحا للاشتباكات الأخيرة الدامية، يرافقه عدد من علماء الطائفة الشيعية.
وقد اطلع عن كثب على الأضرار التي منيت بها المنطقة، وزار عددا من ذوي الضحايا.
وتوجه ظهراً إلى حسينية الشياح حيث التقى ابناء المنطقة، واستهل اللقاء السيد محمد سلامة فألقى كلمة رحب فيها بالإمام ومرافقيه.
ثم
تحدث الشيخ محمد حسن قبيسي عن "منطقة الشياح الصامدة الصابرة والمظلومة"،
وقال: "إن سماحة الإمام الصدر كان يعيش مع أبنائها بقلبه وعقله، يصل الليل
بالنهار ليتابع صمودهم ومقارعتهم للظلم".
وتحدث الشيخ محمد يعقوب
فقال: "كانت الشياح رمز الصمود والتضحية والنضال، وصورة مماثلة في نضالها
وصمودها مع كفرشوبا على ارض الحدود".
وأضاف: "لقد كان تحرك سماحة
الإمام الصدر ليؤكد انتماءنا جميعاً إلى هذا الوطن، نتبنى الثورة ونلتزم
بها صموداً وتحركاً، وما قافلة شهداء حركة المحرومين أخيراً إلا من اجل
التأكيد على أنها قادرة على الدفاع عن هذا الوطن ضد إسرائيل.
بعيدا
عن المزايدات والتشكيك، هدف شعبنا ان يمسك قضيته بيده ليدافع عن أرضه
ووجوده وعن الثورة الفلسطينية وليحمي وجودها ويحافظ على لبنان سيدا مستقلا
مؤمنا بالقضية ومناضلاً من اجلها في شتى الميادين".
وخلص إلى
القول: "لتتوجه البنادق كلها لتدك عدونا الأساسي إسرائيل، لأنه لا يمكن أن
تكون هناك كرامة للوطن ما لم تكن هناك كرامة للمواطن. وستبرز من خلال
الصمود على ارض الشياح ضرورة النضال من اجل تحقيق المطالب الإجتماعية.
فمشكلة الحرمان هي مشكلة اجتماعية وعاها سماحة الإمام وانطلق ليرسم
الإنسان الجديد، على ارض الوطن".
ـ الــنـــص ـ
ألقى الإمام الصدر الكلمة الآتية :
"كنتم
تقولون شعاراً مخلصاً وواعياً، تخاطبونني وأنا الفرد، والآن أرجوكم ان
توجهوا النداء إلى الجنوب حيث كنت أنا وغيري من الناس من القادة ومن
القاعدة ومن المناضلين نحاول ان نضع طاقاتنا وأرواحنا ودماءنا في خدمته
فقولوا معي: "بالروح بالدم نفديك يا جنوب". وقولوا معي شعاراً أصدق وأخلص
لأنني انا وأنتم والجنوب معنا نسعى في سبيل حماية البؤساء، فقولوا معي
وبصوت أرفع: "بالروح بالدم نفديك يا قدس" وهكذا نعطي علاقاتنا أبعادا
حقيقية وأبعاداً نضالية حية فنحن لسنا مع الأشخاص ولا مع المؤسسات الا
بمقدار ما تقدم خدمة للناس وللأوطان والشعوب.
من هذا المنطلق
كنت معكم في جولة في أرجاء هذه المنطقة الصامدة المنكوبة، فشاهدت البنايات
المنهارة وشاهدت المحلات المحطمة وشاهدت بيوت الشهداء والجرحى، وشاهدت
آثار المحنة والتعذيب والقصف وشاهدت آثار الأسلحة والقنابل التي قذفتها في
الليالي اياد ليس وراءها قلوب ولا رحمة. شاهدت آثار القنابل التي القيت
على هذه المنطقة من الآليات التي اشتريت بأموال الناس والضرائب التي
يدفعها الناس، وقدمها أشقاؤنا مساعدات، أطلقت القذائف على الأبرياء وعلى
بيوت المواطنين الشرفاء.
شاهدت ذلك وما أبشع ما شاهدت! ولو لم
يكن اللجوء في نهاية المطاف إلى الحسينية لكانت المحنة كبيرة، كبيرة جدا،
ولكن هذه الجولة وهذه الآلام عندما تنتهي في بيت الحسين الشهيد؛ إلى رمز
الشهادة والفداء؛ إلى رمز الخلود والتضحية لتحرير الناس من البغاة، عندما
تكون نهاية الجولة هنا؛ تهون المصائب وترخص الأرواح وهدم البنايات
والمحلات كلها في سبيل الشهادة في موكب الشهداء لرفع الظلم والاضطهاد
والسيطرة على الشعب.
أبناء هذه المنطقة أضحوا رمزاً للمناطق
الأخرى المحيطة ببيروت، في حزام البؤس الذي يشتمل على الشياح والغبيري
وبرج حمود والحدث والكرنتينا والمسلخ وبقية الأحياء المحيطة ببيروت وفي
داخلها.
من هنا وهناك، هذه الأحياء تشهد وشهدت بطولات إنسانية
تاريخية. فأهل هذه المناطق كانوا يسكنون في البقاع والشمال وعكار والجنوب.
جهاد العيش والكفاح في سبيل تأمين لقمة العيش، وعدم توفر الفرص هناك
جعلتهم ينزحون. جاؤوا إلى هذه المناطق فأسسوا حياتهم بعصاميتهم ولم تقدم
لهم الخدمات العامة المطلوبة من السلطة، عاشوا من دون طرق وكهرباء، ومن
دون الوسائل الصحية، ومن لا يصدق فليشاهد حي السلم وغيره من المناطق.
بنوا
بيوتهم وشوارعهم وفرضوا أنفسهم بتعبهم وجهدهم حتى سكنوا هذه المناطق.
انطلقوا من جهاد الهجرة إلى جهاد البقاء في هذه المنطقة وتأمين حياة أفضل
ونحن نعلم والأرقام تشهد بمدى نمو هؤلاء وتقدمهم في مختلف الدرجات العلمية
الجامعية وفوق الجامعية. جاهدوا بالهجرة والبقاء وكانوا يتوقعون من السلطة
طلباً واحداً بعدما حرمتهم من كل شيء، على رغم نشاطاتهم ونشاط حركة
المحرمين. مرت سنون دون ان يجدوا خدمة ولا تجاوباً وكانوا يتوقعون خدمة
واحدة من السلطة: ان تحميهم وان تحافظ على حياتهم من العصابات المسلحة، ثم
فوجئوا خلال الأشهر الأخيرة بأن السلطة تتجاهلهم ولا تدافع عنهم بل العكس
وقفت إلى جانب أعدائهم تضربهم وتقتلهم وتهدم منازلهم. وهكذا وجدوا أنفسهم
أمام جهاد جديد، جهاد البقاء في هذه المنطقة والصمود والدفاع عن أولادهم
وحياتهم بأيديهم. عاشوا في هذه الفترة فأثبتوا أنهم لا يخضعون للتصفية
لأنهم ليسوا اوساخ لبنان بل انهم شرفاء ومجد لبنان وعزته. أوساخ لبنان
التي يجب ان تكنس هي المحتكرون والمستبدون والسلطات الغاصبة، أولئك الذين
بنوا قصورهم على متاعب الناس واغتصاب حقوقهم، أولئك أوساخ يجب أن تكنس.
ما
ذنب هؤلاء الذين يعملون ويجاهدون ويبنون أوطانهم وبيوتهم وحياتهم بتعبهم،
وفي النهاية يضطرون إلى ان يدافعوا عن أنفسهم؟ قولوا لي بربكم بعدما أعلنت
عن منظمة "أمل" للمقاومة والدفاع عن قرى الجنوب، وقلت ان مجموعة من الشباب
من المحرومين من هنا وهناك بعدما وجدوا ان إسرائيل استرخصت دماءهم
واستهونت أراضيهم فصبروا ربع قرن أو اكثر فلم يجدوا دفاعاً فاضطروا إلى ان
يجعلوا من أنفسهم منظمة وأفواجا وحركة. هذا الكلام الحق أحدث دوياً كالرعد
في نفوسهم. كيف؟ ذلك انهم يريدوننا ان نركع أمام العدو. كلا، نحن أبناء
الحسين الذي قال "لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا افر فرار
العبيد". إنى لا أرى الموت إلا سعادة ولا حياة مع الظالمين الطغاة
المستبدين إلاّ برماً. نحن لا نريد الحياة مع الذل، نريد الحياة العزيزة
الكريمة في بيروت وضواحيها وفي الجنوب.
بكلمة واحدة، يا أبناء
الشياح، ومن خلال الشياح المناطق الأخرى المنكوبة، انحني أمامكم وأمام
بطولاتكم وصمودكم وارواح شهدائكم واقف محترماً مكرماً داعياً لارواحهم
لأنكم وقفتم مدافعين ويشهد كل من شاهد هذا الحي ان الاعتداء كان من خارج
الشياح، وكان الدفاع. نحن لا نهجم على احد. المواطنون هم أبناؤنا من كل
الأحياء والفئات والطبقات والمذاهب والأديان. وكما قلت في الاعتصام لا
نقبل بإطلاق نار على أية مدينة أو قرية في لبنان. وقد هرعت يومها إلى
البقاع لمساعدة أبناء دير الأحمر والقاع الذين كانوا يخشون الاعتداء عليهم.
نحن
لا نقبل بالظلم لأننا ذقنا طعم الظلم، ولا نقبل بقتل الآخرين لأن الآخرين
قتلونا ونعرف الآلام. نحن نريد لبنان، حماية لبنان ولا نقبل بالظلم ومن
الآن على هذه الأسلحة والمتاريس ان تتجه إلى الجنوب. الإحصاءات أثبتت ان
الأسلحة في الحوادث كافية لصد الاعتداءات ولتتوجه الأسلحة إلى الجنوب
لصيانة الوطن وللحفاظ على الثورة الفلسطينية وللمقاومة في وجه العدو
الظالم، فجولة أخرى قادرة على القضاء على لبنان. كيف يمكن ان نمنع
السفاحين من ذلك. لا علاج إلا بنقل الأسلحة إلى الجنوب. كل فئة مسلحة إذا
كانت صادقة وتريد صيانة الوطن فلتنتقل إلى الجنوب فالخطر هو من إسرائيل
وليس من الشياح. والعدو في الأرض المحتلة وليس في النبعة وبرج حمود أبدا.
فلننتقل جميعاً إلى الجنوب ولنقل جميعاً: "بالروح بالدم نفديك يا جنوب".
فليسمع من يريد ان يسمع: "أن الشياح لن تنزاح".